أسئلة متنوعة
سنة النشر : 10/04/2009
الصحيفة : اليوم
.. تعمدتُ هذه المرة في التنقيب في كوم الأسئلةِ واختيار عدة رسائل بأسئلة فكرية ومعرفية أو بحصافة الحكمة، وكان أن خرجت بعدةِ رسائل وأسئلةٍ جميلةٍ تدل على عقليات جميلة..
وهذه أولها، وربما تابعنا في حلاقت قادمة إن سمَح القراء. كما تشاركنا بنتٌ مسيحيةٌ من لبنان لأول مرّة. ومن المحاكي أحمد، أحسن الله إليه، أرسل رسالة طويلة يُثني على الزاوية وأهميتها، ونشكر له فضله على الزاوية.. على أن هذا لا يشفع في إجابة كل الأسئلة التي أرسلها وطلب الاستثناء.. فنعود مضطرين لقانون عروب:
ما سبب احتفاء الغرب بالفيلسوف «جون لوك»؟
- بل إن التاريخَ يتابعه يا أستاذ أحمد، فهو فيلسوف انجليزي عاش في القرن السابع عشر، أحدث ثورة في تصور تلقي الأشياء الخارجية بالنسبة للفرد وكيف أنها تتأثر بتصوراته وأفكاره المسبقة.
ما هي نظريته الفكرية التي يُقال عنها إنها أثارت الفكر الإنساني، قرأت فلم أستوعب؟
- نظريته المشهورة هي حين شبه الإدراكَ البشري وكأنه خرانة محكمة القفل ظلماء، وبها شقوق تدخل من خلالها الأفكارُ ورموز المحسوسات.
«واشرحها لي بيسر وسهولة..»
- ليس سهلا، تبسيط أفكار «لوك»، ولكن خذ مثلا لما يقال لك عن الصينيين، فمهومنا حسب الخزانة الإدراكية (أي التصور الذي داخلنا- الانطباع) فالصيني لن نرى من خلال شق النور الضئيل باقي صفاته إلا القليل بينما تتحكم معرفتنا المسبقة بصفته وهي مثلا: التقليد في الصناعة.
بينما خارج الخزانة المظلمة، وخارج الصورة المسبقة، قد يكون الصيني مبدعا ومبتكرا وأصليا.
وأعتقد أن هذه الخزنة أو «الحجابVeil « كما سماها «جون لوك» سبب أكبر عيوب البشرية: التعصب! لماذ لم يصحّ التعلـّم من التاريخ؟
- عظيم جدا السؤال ويستحق مقالاً. أترى أنه طبعٌ إنساني أن يتعلم الإنسانُ من تجاربه هو لتكون أكثر وأشد فعالية من القناعة بتجارب من سبَقـَهُ، كالطفل الذي مهما حذرته من سطحٍ ساخن، فلن يتعلم عدم لمسِهِ إلا إن لسَعه مرّة.
.. ومن «الصادقة دائما»: هل يستطيع الإنسانُ أن يواجه الحياة والعقبات تعترضه واحدة تلو الأخرى؟
- دائما أدعو إلى التشبه بآليات الطبيعة، فبها وضعت الحكمة الكبرى، انظري إلى الموجة في البحر تبدأ صغيرة ولا تكبر إلا بعقباتٍ تعترضها من المد والتيار والأنواء.. كل عقبةٍ تزيدها حجماً وضراوة.
وكيف أواجه الحياة وحيدة؟
- تعلمنا قصص البشر أن الإنسانَ يكتسب الشجاعةَ.. من كونه وحيدا! كيف أعيش بعقل يبدع في اكتشاف المشاكل؟
- غلط يا صادقة، نكتشف المشاكلَ والعراقيل بحواسنا، والعقل خُلق لأمر أهم: لتذليل المشاكل. من يكتشف المشكلة ولا يعمل شيئا، فقد ألغى عقله!.
وانظروا إلى هذه البنت المسيحية من لبنان واسمها جاكلين من بيروت: رأيتك في محطة أل بي سي، وعرفت عن هذه الزاوية وأتابعها من عام لا تفوتني إلا عندما لا تخرج، وأود أن أسألك عن التفاحة ولم هي مقدسة في الغرب مع أني كمسيحية لم ألاحظ في الانجيل إشارة واضحة ودقيقة وسألتُ الخوري بالكنيسة وأيّد كلامي وزاد فضوله لما أخبرته أني سأسألك وهو يترقب الإجابة، فماذا تريد أن تقول لي عن الموضوع؟
- شكرا يا جاكي، وأهلاً بك في الزاوية، ولقد ألغيت سؤالك الأول، لأنّ كل ما ذكرته غير صحيح، ولا يؤيد القرآنُ قصة نزول آدم من الجنة بالعبارة الإنجيلية (والتي هي محرفة أصلا كما ستعلمين) أما حكاية التفاحة فلها قصة، حيث إنك لا بد أن تعلمي أن الإنجيل خرج بعدة نسخ من حواريي المسيح مثل ماثيو ولوقا، ثم الأمبراطور أوجستين الذي ابتكر تقريبا إنجيلاً آخر، فوردت كلمة «مالوس Malus» باللاتينية وتعني «سيئة» وتعني أيضا شجرة التفاح (لأن في الإنجيل لم يقـَلْ تفاحا بل قيل ثمرة وذُكِر قطفها من شجرة) ومن هنا بدأت «غلطة» قدسية التفاح في الغرب فاللهاةُ هي «تفاحة آدم» عندهم لأسطورة من غصّ بالتفاحةِ المحرّمة.
والامبراطور هنري الانجليزي عمل له البابا التفاحة الذهبية المشهورة التي يعلوها الصليب وراجت في الحروب الصليبية، وشعار سويسرا هي تفاحة «غليوم» الخرافية الصِرفة، وبالانجليزية من فرط أهمية التفاحة فإنهم يسمون «بؤبؤ العين» ب «تفاحة العين».. أرجو أن أكون وفيتً حرصك على الفهم يا جاكي، وهذه أول مرة نطيل بهذا الشكل في الزاوية من أجلك، ومن أجل الخوري!
ومن سارة طراد، هذه الأسئلة، ونشكرها على حصافتها: هل ممكن أن يعيش إنسانٌ بجانب إنسان لا يحبه؟
- نعم، بل هي من الحكمة، ما دام الإنسان الأول يحافظ على أمنه ومصلحته، كما يحافظ الإنسان الثاني على حقِّ الثاني بذات الشيء!
هل التعايش يخلق التحاب، أم البغض؟
- أظن أن التعايش الإيجابي يخلق التقارب، والتقارب بالمنطق سيقود للتحاب.
هل يمكن أن «أصدع بالحق» وأقول لإنسانٍ ما إني لا أريد أن أتعايش معك؟
- إن كان يملكُ حَقـّا.. أو سيْفا، فلا!.
في أمان الله..