المايا
سنة النشر : 11/02/2009
الصحيفة : اليوم
(*) تلبية لوعدٍ قطعته في «اسألوني» بتخصيص مقال لسؤالٍ «للعبقرية الصغيرة» من قطر.
.. في القرن العاشر الميلادي، هُجِرَتْ أجملُ مدنٍ بناها البشريُّ في الأدغال.. واختفتْ أزهى وأرقى حضارة استمرت عشرات القرون، حتى أن بعض الأركلوجيين يعتبرونها أعظم من الحضارةِ المصرية القديمة، إلا أنها واحدة من أكبر ألغاز التاريخ. اختفت حضارةٌ بالكامل مع شعبها، ولا يعرف أحدٌ حتى الآن ما الذي حدث، وكيف اختفى شعبٌ كامل، ولماذا، وإلى أين..؟ أسئلةٌ ترنّ في أنفاق القرون.
وقبل أكثر من ألف سنةٍ من الميلاد، كان هؤلاء المزارعون الذين لم يعرفوا العجلة قد ارتقوا هندسياً وبراعة في الزراعة والري بما لم تضاهيهم حضارةٌ أخرى في وقتهم.. وكانوا يستطيعون أن يحسبوا تحركات ومواقع أجرام الفضاءِ بدقةٍ عجيبةٍ، ويتوقعون متى يقع خسوفُ القمر بضبْطٍ يقاربُ الكمال.. وبنوا أشكالاً إهرامية إعجازية، لم يتأكد العلماءُ بعد إن كانت مخصصة للطقوس الدينية أو لإيواء الناس.
إنها حضارةُ «المايا»، االتي ازدهرتْ وبادتْ في أدغال أمريكا الجنوبية.
هل عرفوا الكتابة والقراءة؟ لغزٌ لم ينكشف بعد، مع أن المنقبين وجدوا كتباً عجيبة، أو خـُيـَّل لهم أنها كتبٌ مكتوبة، جُمِعَتْ بها أوراقٌ من النباتِ على شكل صفحاتٍ متتابعةٍ.
لقد بنت قبيلة المايا مدينةٌ أخاذة، بديعة، ومتوحشة، وما زالت آثارُها بارزة للعيان.. مبانٍ هرميةٌ وهيكلية كأنها علامات استفهام كبرى لأسئلة لم تـُفهم، والبحث عن إجاباتٍ لم تـُدْرَك. وعندما تطلـّع على كتاباتِ الأدبِ المكسيكي، تجدُ كم هي حاضرة مدنية المايا في الرواية وفي الخيال وفي الأسطورة.. وربما يأتي يوم أحدثكم عن أديبةٍ روائيةٍ مكسيكية قصصها التاريخية قبل ومع غزو الأسبان للقارة تحبس الأنفاس، وتطيّر الصفحات، وهي متأكدة من أن الغزاة الأسبان، الذين يعرفهم المصطلح التاريخي الأجنبي بالفاتحين Conquistadors، كانوا السببَ وراء اختفاء المايا، وشعب قبيلةٍ مدهشة وغامضةٍ أخرى هم «الأنكاس».
كيف تطورت حضارة المايا؟ لا إجابة. من أين أتوا؟ لا إجابة. أين ذهبوا؟ ليت المؤرخين ملكوا الإجابة.. بعضهم قال بأدلة الآثار إنهم كانوا مجرد قرى فلاحية صغيرة، ولما سئلوا في المؤتمرات : كيف إذن تطوروا لحضارةٍ كبيرة تمتد على خلال الهوندوراس البريطانية، والسلفادور، وجواتيمالا والمناطق الجنوبية من المكسيك؟ هزّوا الأكتافَ.. لا جواب!
وكان «المايا» مبدعون في الرياضيات، وحسبوا سنة دقيقة من 365 يوما و18 شهرا وكل شهر من عشرين يوما، كأدق حسابٍ لروزنامةٍ زمنيةٍ لم تنافسها حضارةٌ أخرى في زمانها.. وهم بناؤون بارعون أجادوا المساحة، وحسابَ الأعمدةِ والزوايا والارتفاعات بدقةٍ فوق التصور لذاك الزمان.
كيف تأتي وتختفي حضارةٌ مثل المايا؟ وتلك الأخرى التي شمخت على جبال الأنديز البيروفية «الإنكاس»؟
أسئلةٌ ما زالت عالقةٌ في مجاهل الغموض.