الإنسان المُحِبّ

سنة النشر : 21/01/2009 الصحيفة : اليوم

 
«أولئك الذين يؤمنون لا يحتاجون أي دليل.. أولئك الذين لا يؤمنون لن يقنعهم أي دليل».
 
يتسامى قلب الإنسان ويصل ذرى معالي جماله الإنساني وخيره الذي أراد له خالقه أن يصل له، عندما يحب إيمانا. لا تجد حبا كحب أمك، الوحيدة على ظهر الأرض التي تحبك بلا شروط، بل تحبك كلما قست عليك وعليها الشروط .. هذا الحبُّ على عظمته وتجليه ليس الحب الإيماني.
 
الحب الأعظم على الإطلاق هو حب من لا ترى.. عندما يكون الحب إيمانا، وعندما يكون الإيمان حبا.... يحب المؤمن ربه فيملك كل ذاته، وكل سلوكه، وهذا هو الانقطاعُ في الحب، أن تحب بقلبك وعقلك وجوانحك، فأنت لا ترى صانع الأكوان، ولكن ترى قدرته الكونية، فتؤمن به، وتصدق به كأنك تراه، بل من المؤمنين من يقول إنك تراه أكثر مما ترى عيناك أي مرئي يمتد على مساحة النظر...
 
يؤمن الإنسان بعمله، عندما لا يكون نهاية العمل ومبتغاه أن يأخذ الأجرَ في أول الشهر أو في خاتمته، أو أن يرى نفعا ماديا يلمسه فيترجاه. لا يكون العمل منقطعا للمحبة إلا عندما يصل عملك إلى ناس لا تعرفهم، ولا هم لك من النافعين ( إلا في نفع أعم، الدعاء).
 
فيكون لعملك تغيير لحياتهم إلى مرحلة أفضل، أو أن تترع قلوبهم بعاطفة أسمى، أو أن يكون عملك كمن يمسح الدمع من المحزون، والدم من المجروح، والعرق من المُجهـَد، والآهة من المقهور، ويعطي قوة للضعيف..
 
فيكون الإيمان هنا حبا منقطعا.. ولا نجد أكثر خيرا من العمل الذي يصل للناس فينفعهم، أو لا يؤذي مشاعرهم، أو يتلاعب بذكائهم.. وإني أجد الكتابة َ عملاً من أهم صفاته أنه يصل الناسَ في سوادهم، ويقدم لهم يدا للنهوض، للنهوض من الكراهية، والنهوض من الجهل، والنهوض من الفقر..
 
الكتابة رحلة إلى عين الشمس.. وكنت أكلمكم عن الإيمان والحب، حب من لا نرى، والكاتب إن كتب لمن يرى فقط، فقد نخشى زلل التزلف، وضياع الثقة.. فتكون الكتابة هنا ملطخة بأكثر من وصمة، ليس أقلها وصمة النفاق.
 
وعندما تصل الكتابة لمن ترى ولمن لا ترى، فيما يرجوه الكاتب أن يكون منفعة لمن يرى ومن لا يرى على السواء، نجد هنا إيمان الكاتب بقرائه فيحبهم .. وعندما يقدر أن يحبهم، فهو بقلبه وبعقله وضميره سيراهم.
 
وسأثبت لكم يوما أن كل ما حرك مسيرة الفكر الإنساني إنما هو هذا الحب لمن ولمَ لا يـُرى.. حبٌَ يأسر وجود الإنسان المُحِبّ.. فلم يعد يرى شيئا سواه.. أكتب هذا وأنتم لا تروني، وأكتبه وأنا لا أراكم.