رحلات

سنة النشر : 14/01/2009 الصحيفة : اليوم

 
.. إنه عالمٌ صغير يا أصدقائي، والناجحون من عملوا منه دوائر واسعة. كيف؟ سأوضح.. والعالمُ قد نجعله ضيقاً محزَّزاً محزَّقا محدودا، كيف؟ سأوضح! كم تعرف من الأشخاص؟ هذا سيحدد مسار حياتك.. فعلا.
 
كلما زادت معرفة الناس الذين تعرفهم كلما زادت فرص نجاحاتك في الحياة، فإني وجدتُ أن أكثر النابهين والناجحين والواصلين، بمختلفِ قدراتِهم، أنّ من أهم نجاحاتهم أنهم يعرفون الكثيرَ من الناس..
 
عرفوا أن العالمَ صغير، والدوائر تتسع. كلما ارتفع حجمُ معارفِك قربتَ مباشرة، أو بطريق غير مباشر، لمن يغيرون حياتك، معرفتـُك أن العالمَ صغيرٌ يجعلك تؤمن أن في وسط احدى دوائر العلاقات التي يجب أن تكون واسعة ما أمكنك، يوجد شخصٌ له القدرة لتسهيل نفاذك لفرص المستقبل، وتحقيق الأماني، أو بعضها.
 
ضع تحت هذا خطاً عريضاً: «عالم صغير، بدوائر واسعة.. ستصل!» وأعرف ناساً نابهين متفوقين، ربما أكثر من أصحابنا الذي حققوا أهدافـَهم، ولم يصبهم حظهم.. والسبب أنهم جعلوا الحياة ضيقة.
 
فهم لا يخرجون للمنتديات، ولا يتعرفون على من يجلس بجانبهم في رحلة ساعات، ولا يغشون المجالس، ولا يعودون أصدقاءهم، فتضيق الدائرةُ جدا، فلا يعود لصغر العالم معنى، فلا يدركون أهدافَـَهم، أو سيصعب عليهم ذلك، فلا أحد لديهم يلجأون إليه.. أو أنهم لا يستطيعون، بحكم هذه الانغلاقية أو الانطوائية، أو رهاب الخروج للمجتمع..
 
لذا أقول للجيل الطالع: تعلموا من الآن المهارة الاجتماعية، فهذا درسٌ رياضيٌ حقيقي، وعلمُ الرياضيات من أنبل العلوم، وتعلمنا نظرية المضاعفات، نصل بتضاعفٍ معدود لأرقام فلكية.. أعطيكَ مثالاً: أنت تعرف محمد، وتعرف بالمتوسط مائة شخص، ومحمد يعرف مائة شخص، إذن المعادلة: أنت+ محمد=200، ثم لك أن تحسب بمتتاليةٍ كم الناتج من المعارف في خطوة ثانيةٍ عندما يكون كل واحدٍ من هؤلاء المائتين يعرف مائة شخص أيضا.. بعد مضاعفاتٍ قليلةٍ يمكن أن يكون العددُ ضعف سكان الأرض! هذه حقيقة رياضية، افتراضية، ولكنها حقيقية بلغة الرياضيات ودقيقة.
 
تولعتُ بكاتبٍ استرالي اسمه «دايفيد سميث» وله كتابٌ من أجود ما كُتب بلغة شكسبير، والكتابُ أطار لبّي، فقرأته ثلاث مرات، وهو من ألف صفحة.. ولأني أحاول كسب أصدقاء برحلات الأجواء، فمرة جلس بجانبي رجلٌ عربيٌ أربعيني، ولما قدمتُ نفسي، صرنا مقربَيْن بعد دقائق، وتكلمنا عن هواياتنا، ومنها القراءة، وأريته الكتابَ الذي معي، وكان كتاب الاسترالي «سميث»، فضحك متعجباً، واستغربتُ هذه الضحكة «الغريبة» الخارجة عن السياق.. فاستدركَ، واضعاً يدَه على كتفي: «أنا استرالي، من أصل فلسطيني.
 
وسأزيدك من القصيدة بيتا..»، وكان البيتُ أعجوبة، هدية، أيقونة الأيقونات.. فهو صديق السيد «سميث!»