الأسرة

سنة النشر : 28/12/2008 الصحيفة : اليوم

 
.. لا يمكن أن تستمر الحياةُ كما كانت بعد أن تفارق الزوجةُ الزوج، خصوصاً إذا كانت زوجة صالحة، خصوصا إذا كان زوجاً صالحاً..
 
وزوجة صديقنا والوجه الاجتماعي الخيَّر ابراهيم بن محمد الشيباني، كانت صالحة، وهو زوج صالحٌ محبٌّ، وضرب مثلا قويا مشهودا في الوفاءِ والحب بالوقوف مع شريكة حياته حتى استردّ اللهُ أمانتـَها..
 
فهل ستبقى حالُ أبي محمد كما كانت؟ لا أظن .. إلا بالتمسكِ بالإيمان والرضا، والتفرغ لاكمال مهمةِ زوجتِه في واجبات أسرته، وسيبقى نصفُ حياتِه فارغاً للأبد .
 
هذه حقيقة، ومكانُ الزوجةِ المحبّة الصالحة لا يملؤه أحدٌ أبدا، وفي رأيي.. ولا زوجة أخرى.
 
إنها رحلةٌ شاقة في هذه الحياة أن يغادرك اقربُ الناس إليك، الوحيدة التي تسأل عنك في كل لحظة - وقد تتبرم- أين أنت؟ كيف أنت؟ بينما يغفلُ عنك الآخرون، قسرا، أو طواعية.. إلا هي.
 
يذهب عنك أقربُ الناس، ينشغل أصدقاؤك عنك، وفي سنٍّ متقدمةٍ يلتهي حتى أولادُك، من لحمِك ودمِك في تأسيس أسَرهم في تيـّارالحياةِ المتوالد، إلا هي، إلا زوجتك، تبقى لك، عندك.. تخافُ عليك، تحبك، تؤنسك في وحشةِ الحياة.. ولا أعظم شيء في الدنيا من امرأةٍ صالحة، قالها الإسلامُ، والإسلامُ دينُ الفطرةِ والحياة.. لذا أنا أميلُ بقوةٍ لا تحيد بأن الزواجَ بأكثر من واحدةٍ لا يوفر هذه النعمة بأكمل وجوهِها، أي أن تحبك امرأة من أجلك، بكل قوتها، بكل روحِها، بكل كيانِها، بكل وجودِها.
 
وما أن تعمدَ إلى الزواج من أكثر من واحدةٍ، فأنت في الطريق لفقدانِ هذه النعمة، وهي نعمةٌ لا تعوَّض.. إلا من رحِم ربي. بل إني قد أجري أميالاً أخرى في تعصبي لرأيي، وأقولُ عازماً.. حتى لو فقدتَ حبيبتـَك، وشريكة حياتك، ونصفـَك الصالح المُحِب، فلن تعوِّض مكانَها امرأةٌ أخرى، ولن تحصل على ذات الطمأنينةِ التي كنت تتقلب بها مع زوجتك الأولى..
 
ولمّا سموا الزوجة شريكة الحياة، عجز العالـَمُ عبر تاريخه أن يجد صفة أعمق وأقوى وأصدق من صفةِ شراكة الحياة.. وإذا كثـُرتْ الشراكةُ ماعتْ، وفسدتْ، حتى في الأعمال، فكيف بالرباطِ الروحي الوجداني الحياتي والعاطفي؟ ولكن.. عندما يقدم زوجٌ كل شيءٍ من أجل زوجتِهِ في حياتِها، أو وهي تمر بظروفِ مرض حتمي، ثم يبقى بجانبها حتى آخر لحظة فتغمض عينيها التغميضة الأخيرة على وجهِ حبيبها، أقرب من لها في الدنيا، وربما رأت بسمة تشجيع مُقـَنـَّعة، أو دمعةً تنهال على صفحةِ خدِّه المكدود، فستنام النومة الأبدية وكأنها نهلـَتْ من أعمق راحةٍ وجدانية.
 
ماذا يريد الحبيبُ أكثر من أن يكون حبيبُه آخر من يراه في هذه الفانية؟ لا شيء! على أن السيدَ الشيباني قلنا : إنه الرجلُ الخيِّرُ، ولم نطلق الصفة كما تـُطلـَق الصفاتُ تجميلاً وإجمالا، وإنما خصّاً وتخصيصاً، تصوروا يا قرائي الأعزاء، أن الرجلَ وهو في الخارج، وامرأته، وهو، في عذابات الألم وغدر المرض، كان يتابع حالاتِ المرضى والمريضات السعوديين، ويواجه المندوبَ الصحي السعودي في سفارتنا بواشنطن، يتابع لهذا، ويطالب لتلك..
 
رغم كل آلامِه إلا ان طاقة الخير داخله ودوافعه الغريزية المحبة كانت تقلعه من مكانِه قلعا، فأكمل دوراً مهما هناك كان لابد أن يملأه أحد، فملأه، كان لابد أن يقوم به أحذٌ، فقامَ به.. وإني أغبطه بالرضا الإلهي الذي نزل عليه دفعة واحدة، وبكميّات الغيثِ لما تفتح السماءُ كل أبوّابها.
 
ابراهيم من طلعة صباه، وهو محبٌ ومحبوب، وروحٌ متديّنة، هادئة، راضية، باسمة.. ملـَك أصدقاءً في كل مكان، ولما أقول ملـَكَ، فأنا أعني المُلكية حرفاً، أعطاه كل صديق بمبادرةٍ وتسابق جزءاً من قلبه.. وهو يعرف أنه يملك جزءاً من قلبي لما يراني، كما ملك أجزاءَ من قلوبِ آخرين.. ونحن نعرف بالتأكيد أننا ملكنا جزءاً من قلبه.. وهذا سرّ ابراهيم.. سرُّه الأثير.
 
على أن الوحيدةَ التي ملكتْ كلّ قلبه رحلت.. وأخذته معها.
 
رحم الله حبيبتك يا أبا محمد، ورحمك.. ورحمنا.