أذهان الشبيبة
سنة النشر : 10/12/2008
الصحيفة : اليوم
.. تعجبتُ لما سألني شابٌ مصريٌ ضمن ندوةٍ للشبابِ العربي عن أهمِّ اكتشافٍ أركيولوجي ( تاريخي في الآثار) في كل العصور. ولم يكن العجبُ السؤال، بل على العكس السؤال كان مثاراً للإعجابِ، والعجبُ أن الشبابَ لم يسمعوا كيف اكتشفت أهم الاكتشافاتِ في مصر، وهم شبابٌ نُقوَةٌ لم يعرفوا ما جرى على أرض بلادهم من أهم أحداث القرن العشرين على الإطلاق.
وأمورٌ مثل هذهِ، والمتعلقة بتاريخ كل بلدٍ عربي، تغيب عن أذهان الشبيبة الآن، ولا ندري هل نلوم الشبيبة، أم الجهات القائمة على الحفاظ ونشر الوعي بالآثار التاريخية بمدى عمق واتصال الزمان في بناءِ الدول والمجتمعات؟ وما حكيته على الشبابِ تلك الليلة، كان بالنسبة لهم قصة ممتعة، فحكاية ذاك الاكتشاف بها الكثير من الإثارة، والتشويق، والوهم والحقيقة، والواقع والأسطورة، والدقة التضخيم.. وهي قصة اكتشاف قبر الملك الصغير، أشهرُ ملكٍ، كما يُقال، في التاريخ: «توت عنخ آمون».
نعم، كان اكتشافُ قبرِ ومومياءِ الملك الشاب، وقصة حياته تعتبر ملحمة إنسانية رغم أنه مات في ربيع عمره، حكتها النقوشُ الهيروغليفية في وادي الملوك.
نورد القصة لتعميم الفائدة بإيجاز.. نحن الآن في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين، وكان مكتشفو الآثار المصرية يتقاطرون على مصر في موجةٍ شابهِتْ موجة حُمّى الذهب في كاليفورنيا في القرن التاسع عشر.. بعضهم يبحث عن العلم، بعضهم يستقصي أمجادَ الشهرةِ، وبعضهم كناسو الكنوز، وبعضهم أثرياءٌ يحومون كالعقبانِ يتصيّدون شراءَ واقتناءَ الآثارِ بأزهدِ الأثمان، ولو علِمَ المصريون الآن كم من ثرواتٍ لا تـُحصى فقدوها من الآثارِ المفقودة، لكانت الحسرةُ الصاعقة قليلة جدا لوصفِ حالهم.
في يوم صيفٍ من تلك الحقبة الزمنية كان المكتشفُ الأركيولوجي الإنجليزي «هوارد كارتر» قد قضى أكثر من ربع قرن يبحث عن ضالةِ حياته، قبر ذاك الملك الصغير، الذي قرأ عنه في أوراق بردى، والتي نشرها عالمو المصريات الفرنسيون بدءا من حملة نابليون، واكتشاف حجر رشيد الأشهر.. لم يبق مترٌ من أرض وادي الملوك لم ينبشه كارتر، بلا جدوى، ( وادي الملوك، كان مقرّ العاصمةِ الأثرية لمملكة طيبة) وكانت الأوراقُ المكتوبة توحي لكارتر أن قبرَ الملك «توت» موجودٌ في مكانٍ ما قرب معبد الأقصر العتيد، ولكنه لم يجد شيئا.
وكاد يتهاوى تحت معاول الإحباطِ، وسخريات زملائه من جمعيات المكتشفين الملكية، والجمعية الفرنسية للمصريات.. فلقد حذروه بخطأ حساباته، ولكنه لم يرعوِ. ومطاردو الأحلام كما علمتنا سيرهم لا يعرفون أن يتوقفوا قبل تحقيق الأحلام. إلى أن وجد يوما ضمن الآثار التي يعثر عليها في الوادي أشياءَ ومتعلقاتٍ مكتوبٌ عليها اسم الملك توت.. وفرح، ولكن فات الأوان، فقد نفدَ كل المال الذي معه..أو هكذا ظن.
عاد كارتر ليقنع مموّله اللورد «كامارفون»، وكان أركيولوجياً هاوياً، ليعيد تمويله مرة أخرى، قائلا له: «لقد وصلتُ تقريباً للملكِ الصغير»، وفتح خريطةً للوادي، وحدَس أن هناك منطقة وحيدة لم يبحث بها، وكانت بجوار قبر الملكِ الشامخ «رمسيس»، وردّ اللوردُ: «أنا مقامرٌ ياكارتر، وصرفتُ ثروةً حتى الآن، ولكني سأجرّب هذه المرة، ولكنها الأخيرة..» هل وجدا القبرَ؟ وكيف؟ وما الذي حصل؟ وما الأسطورةُ التي وقعتْ، وهل حلـَّتْ عليهما لعنةُ القبور؟ سنرى الأربعاء القادم.
* قولٌ أعجبني:» مأساةُ الصحافةِ كبيرةٌ مع قلةِ الاحترافية، فيختلطُ الحابلُ بالنابلِ، فيصبح الوجيهُ كاتباً، ويصبح الكاتبُ الحقيقيُّ كاتبَ معاريضٍ على صفحاتِ القراء يستجدي نشراً.. «
- الكاتبُ اللامع، عبدالرحمن الشهيب.