الفرزدقَ

سنة النشر : 09/12/2008 الصحيفة : اليوم

 
.. أولا عيدكم مبارك.. وثانيا إليكم رسالة خصيصا للعيد.
 
والرسالة المليئة بالعبرِ والعاطفة، من قارئٍ يقول انه طلق زوجتـَه تحت سوْرةِ الغضبِ، والعناد، والنصائح الخائبة من ناسٍ حوله خائبون..وقد ندم ندماً شديداً، وحنَّ لزوجتِهِ، وهي يسميها «حبّ حياته»، ويقول انها ستعرفني للتو، عندما تكتب أنها «بوصلة حياتي» فهذا ما أسميها عن شعورٍ صادق، ولأنها تستحق.. إليكم الرسالة:
 
« ..كنت من أسعد الناس، ثم صرت من أشقاهم. وأريد يا أستاذ – وبرجاء قد يبدو غريبا أو ساذجا أو غير مسبوق- أن تعلن رسالتي هذه، ولك أن تنقحها كما تشاء مع الحفاظ على جوهرها، وأن تعلنها في أول أيام عيد الأضحى، فهو العيدُ الأثير عند زوجتي حبّ حياتي، وبوصلة حياتي، والتي لا استغني عنها للسير في هذا العالم.. فمنذ تركتها وقلبي تعصف به رياحُ الخيبةِ والظلام والحزن لفقدان من كانت هي مصابيح كوني..
 
إنه العناد، والغضبُ، قاتلهما الله، ومعه عصبةٌ خائبة رأت لي أن الطلاقَ سيجعلها خاضعة لي بعد أن أعيدها، ولكنها لم تعد.. وهي قالت لي أنها لن تعود، وقالت: «بوصلتك لم تعد تعمل، وإن عمِلـَتْ فلن تكون بيدك.» وهذا كان وقعُهُ علي كصاعقةٍ نزلتْ على رأسي من براكين السماء.
 
حاولتُ مراراً وتكراراً، أن تعود إلي، وسّطتُ كل أهلها وأهلي، إلا أنها لم ترضَ حتى بمناقشة الموضوع، فهي كتبت لأختي رسالة قصيرة قالت فيها: «لو كنت المخطئة، أو أثبتَ أني أخطأتُ بالتصرف او العمل الفلاني، لزحفتُ إلى قدمَيْه. أما أن يطلقني بلا سببٍ، أو لسببٍ تافه، لأن هناك من نصَحَهُ بأن تطليقي سيلجُمني عن قول رأيي ومشاركته الحياة بالنصيحةِ والتفاهم وإبداء الشعور المحب الصريح.. فهذا معناه أنه لم يقدرني أصلا، وإن كان كما تقولين أنه يراني جوهرة وسيصونني، فكيف رآني وأنا عنده مجرد حجرة؟ سأبقى جوهرة فقط بعينِهِ وأنا خارج ملك يدَيْه، وسأعود حجرةً عندما يستعيدني ليدَيْه.. أقول لكِ قولا نهائيا: أفضل أن أبقى جوهرة!»
 
وكلامها صحيح يا أستاذي، وهو خطأ أحمق، ولكنه درسُ حياتي ولن يتكرر أبدا، وهي لم تعد تفتح خطاباتي، على أن حبيبا قريبا مني ومنها جاء ونصحني أن أكتب إليك، لأنها تقرأ لك، وتهتم وتستشهد بآرائك.. ولا أجد خدمة أكبر لي من أن ترضى أن تقدم رسالتي من موقع مقالك بالجريدة، لأتأكد أن عينيها مرّتا عليها.. وأقول لها وهي تقرأ الآن، إنك يا «بوصلة حياتي» تقرأين هذه الكلمات من زاوية نجيب الزامل، وأنا مع الحجيج في مكة، وقد نذرتُ لربي إن عدتِ لي فأنا لن أفرّط بكِ ما حييت، وأني تخليتُ عن القوم الذين نصحوني بتطليقِكِ تخليا نهائيا بعون الله.. كل ما أريد فقط : أنتِ.»
 
وأنا لا أجد تبريرا لهذا الزوج، ولكني أشعر أنه نادمٌ كل الندم، وأن حبه لزوجته هو الذي انتصر بالنهاية، وأنه تعلم بالدرس القاسي، وفي نفس الوقت فأنا لا أستطيع إلا أن أقتنع بمبررات الزوجةِ المنطقيةِ جدا، ولكني أقول لها: وما المنفعة في استمرار الطلاق؟ وما الضرر لو أعطيته فقط فرصة ثانية، وخذي كل المواثيق والعهود، حتى بخلعِهِ لو جارَ عليك مرة أخرى.. طبعا هذا إن كنتِ تحبينه، وأنا أشعر أنك تحبينه من كل قلبك، وأنه أيضا حبّ حياتك، واستشهدُ بوضوح من قولك: « لو كنتُ مخطئة لزحفتُ إلى قدميه.» وأطلب منك، وربما ظافرني قرائي، بهذا العيد، أن تعودي إليه ولكن شامخة قوية بعد أن تعلم من الدرس.
 
وصاحبنا ذكّرني بما قرأته للأصمعي أن «الفرزدقَ» الشاعر المعروف طلق زوجته «نوّار» في حلقة حسن البصري.. والأصمعي يحذره بأنه سيندم، فليس مثل «نوّار» أحدا، إلا أنه عاندَ وزمجر وكابر. وبمجرد أن ألقى عليها اليمين، وخرج من الحلقة حتى ندم وسقط باكياً، وقال شعرا بها يُدمِع الحجرَ الجمادَ، فهو يقول:
 
ندمتُ نــدامةَ الكُسَعيِّ لمـَّــا
 
غدَتْ مني مُطـَّــلقـة نـــُوارُ
 
وكانتْ جنتي فخرجتُ منها
 
كآدم حين أخرجهُ الضـِّرارُ
 
وأدعوانا إلى حفلِ عودتكِما، إن شاء الله.. وأرجو لكما، حينها، حياةً سعيدةً إلى الأبد.
 
عيدكم مبارك..