سنة النشر : 23/04/2000 الصحيفة : عكاظ
الدنيا الفكرية عموماً قائمة على هذه الأرضية الوعرة المليئة بالهزات والزلازل والحمم والإنقلاب الكامل.. هذه الأرضية هي تلك الحتمية الذهنية والنفسية والتي نسميها «النقد».. والنقد هنا يشمل كل الاعتراضات الفكرية بأنواعها ، التي قامت ضد إنجازات ووقائع فكرية بانواعها. وحركة النقد إمتداد بشري بدأ من أزمان لا ندركها وستبقى إلى أزمنة لن ندركها.. تحمل ذات الموجات المضادة والمتعسفة والرافضة للنقد.. كما تحمل ذات الروح الدافعة الحامية المتفهمة.
ولم يكن تاريخ النقد والرفض إلا تاريخاً مليئاً بالعذاب والآلام.. تاريخا من طرق رصفت بالدم. واللحم البشري لتسير عليه العربة الإنسانية في معارج البناء الحضاري الإنساني. ولكنه من جهة أخرى كان تاريخا زاخرا بشجاعات بشرية هائلة.. وفي معظم الاحيان تحديات فردية سافرة للجماعات... والأهم تحديات لقناعات راسخة وربما مقدسة لتلك الجماعات... ونتساءل دائما من أين يستمد هؤلاء الشجعان العباقرة هذه القوة العجيبة.. والصبر الجبار.. والهمة التي لا تلين؟ لك أن تعلم أن امضى المحن قسوة هو أن تقف ضد الهدر الجماعي وفي قضايا تمس اعتقاداتهم وتعيب مسلماتهم. هؤلاء هم النقاد فعلا.. أي أنهم فحصوا الوضع المتاح بالعين الفاحصة الباحثة المدققة.. ويتسامون الى ذرى المصلحين وإلى نهاية القمم.. إلى الأنبياء... وقصصهم في المواجهة والتحدي والآلام والصبر.. مشهودة ويتدرج الإنجاز الرافض للواقع والمسلمات بين كثيرين.. وبين نوايا كثيرة نوايا الرغبة الدافعة لارواء الفكر المتعطش، والسعي لإقناع الطبيعة الباحثة.. وهما النبعان السحريان لقوة هذه الفئة البشرية.. هذه القوى التي نراها فوق الطاقات البشرية أو أنها تبدو كذلك. يجرؤ كوبرنيكس في وقت كانت الكنيسة تدعي بملك تفويض سماوي على الأرض والعباد.. وكل العلوم.. يجرؤ على نسف كل المسلمات العقلية واللاهونية والجبروت الكنسي.. وبفكرة كونية لا تصدق ولا تعقل ولا تدرك أي لن يؤازره أي أحد.. يعلنها وتنفتح عليه بوابات العذاب... ولا يأخذ الدرس بجدية.
جالبليو ويعيد إحياء الخطيئة، الكوير نكسية.. في المحصلة الخالدة. ماتت الخرافات.. وعاشت ونمت أفكار الرافضين.. الذين كانوا من تلك الأحجار التي رصفت بها طرق المدينة.