الزهرة والشوكة

سنة النشر : 16/01/2000 الصحيفة : عكاظ

 
كلما قرأت قصيدة «البحيرة» للشاعر الفرنسي ، لامارتين.. تمنيت لو كنت أتقن الفرنسية ، إنها من القصائد النادرة جدا التي تحيطك وحيداً بأجواء الأنس، وأطياف اللطف.. والبسمات الهامسة... ولكم تمنيت أن أعرف الألمانية لأقرأ للشاعر الرقيق رينر ريلكه ، إنك عندما تقرأ له تقرأ الروح تذوب وجدانا، وحبا، وتفانيا وإخلاصا.. وهو شاعر الرقة والحب الصافي.. وشاعر الزهور. أن يخرج اللاتين شاعرًا مثل الامارتين فلا عجب، وفرنسا موسومة بالرقة والأناقة والفكر المنير ، ولكن أن يخرج الجرمان شاعرا مرهفا فمدعاة للستوقف تعجبا وعجبا! عهدنا اللغة الألمانية فصلت للفلاسفة العقليين الذين ينحتون كلماتهم من جبال « بافارياء إن العاديين أمثالي يعصرهم الألم من القراءة في أساليب نيتشه وهيجل وكانت.
 
والعبقري المهبول شوبنهور أكن ريلكه.. هذا النمساوي (يوم كانت براغ من النمسا ، براغ هي هذه المدينة الساحرة.. هي مدينة الدكتور فاوست موزارت.. وأكبر المحبين كازانوفا) من أين استلهم عباراته المضمخة باريج الأزامير؟ ومن أين سكنت في وجدانه أساليب الحب العذري الخلاق العميق ؟ وكيف أعتنق نظرية الفكر الجواني.. التي سماها الإضاءة الداخلية؟
 
عندما عرفت عن ريلكه أكثر.. تلمست الجواب كان محباً ومعجبا باللغة العربية بل ذكر أحد خلصانة بأنه في فترة حياته الأخيرة عكف على قراءة القرآن... إذن هذه هي اللغة العربية التي وحدت هذه الأمة الكبيرة ، والتي وجدها ريلكه و قوته.. وشعراء من الصين ، بأنها أعظم اللغات التي تنقل لغة الروح ولغة العقل.. ومن أبنائها الخلص من ينادي ويبشر بالعامية ويسمونها اللغة المحكية.. بهتانا.. وتزويرا!! ففي كل هذا العالم العربي لا تبكينا ، ولا تهزنا ، ولا تشجينا إلا القصائد والمقطوعات العربية.. ومن الخطل إدراج المثل | و من ناحية قومية.. كان اليهود مبعثرين ، أقواماً ، وأمكنة ، ولغات في مطلع هذا القرن. العبقرية اليهودية الشوفينية أدركت أن لا جمع لهذا الشتات الا بإحياء العبرية الدارسة... أحيوها.. وسلبوا أرضنا العزيزة وأقاموا عليها دولة مكينة... أما أنا.. فقد عشت أضحك على سعيد عقل مناديا باللغة اللبنانية وبالإرث الفينيقي... ثم فزعت على نشرات أخبار من قنوات فضائية تقرأ باللبنانية.. ويا ليتها بفصاحة لبنانية « عقل ».. واعر بيتاه... هل أخبرتك كيف مات ريلكه ؟ أحب هذا الشاعر أمرأة مصرية تدعى نعمت... مدلها يوما زهرة يانعة من حديقته... وكانت بها شوكة أدمت يده وأدت إلى وفاته.. أحب الزهور.. وقتلته زهرة!