باقات الياسمين/ ١

سنة النشر : 26/12/1999 الصحيفة : عكاظ

 
هذه حادثة، أو قصة من الواقع يجب أن تُحكى.. وأن تُكتب ، وذلك لأنها شيء أكيد وواقع.. إنما واقع أبهى من الأحلام.. لو كنت تقرأ البعض قصص جبران أو رومانسيات المنفلوطي.. أو القصص المزخرفة بالعاطفة والوفاء للفرنسي موباسان لما خرجت بقطعة إنسانية تفوق ماسارويه لك....
 
أصر أحد أخواني على أن يعرفني على رجل.. وذهب في إلحاحه بعيدا مؤكدا... و مكررا.. انني ساعجب بهذا الرجل وأحبه.. أخذني أخي إلى مكتب خدمات عادي الحجم في أحد أحياء مدينتنا هذه « الدمام » ولكن المكتب كان لوحة براقة من النظافة والترتيب وتلف المكان رائحة لطيفة تلامس الأنوف ولا تصدمها.. وكانت أكثر من باقة ورد يضوع برائحته وطزاجته ولونه الناصع.. موزعة في أكثر من مكان.. إلا أن صاحب المكان يصر فيما يبدو على أن تكون واضحة بارزة في أي من أماكنها.. وكان في هذه الباقات شيء ملفت جدا.. كانت كلها من ورد الياسمين..! قلت لأخي: ليس في المكتب أحد غير صبي الخدمة.. لماذا تأخر صاحبناء وبابتسامة الواثق أجاب: إن موعدنا معه بعد عشر دقائق، وسيطل عليك في الموعد تماما.. بل إنه موعده اليومي.. هذا الإنسان.. من أدق من عرفتهم.. مهما كانت الظروف... إلا أنه دائما يظهر في وقته المحدد. مثل ساعات الميادين.. ولي عودة معك حول كلامي هذا فيما بعد.. وتعجبت وصبرت...
 
هل هي عشر دقائق بالتمام؟ لابد من أن تكون لأني على نقيض صاحبنا لدي دوما نعارض وسوء تفاهم مع الوقت.. عندما اطل الرجل وكان في مظهره بالحق ملفتًا.. رجل ستيني الإهاب.. مستدق القوام ناهض..العود.. مرتب الهندام بشكل فائق. تحيط لحية بيضاء مع شارب مرسوم.. بوجه جليل الملامح.. ناصع البشرة.. كانت له هذه الجاذبية الغريبة التي تملا العين... سلم علينا بحرارة.. ثم التفت يتفقد باقات الياسمين..
 
البقية.. الحلقة القادمة.