وقبِّل رأسها .. طويلًا

سنة النشر : 04/11/1999 الصحيفة : عكاظ

 
لا تستغرب إجابتي عن هذا السؤال الذي يُطرح دهراً ، ولكنها الحقيقة ، أو أنها الحقيقة كما أؤمن بها عقلا ، ويقيناً ، وضميراً ، وشعوراً.. ولم يكن سؤالك -كما قد تظن ساذج- بل سؤال يدخل في عمق التأسيس البشري ، وبل حتى في التأصيل الحيواني. وكأنك يا رفيقي، قطبت حاجبيك.. وأن أن ( تفردها) لينطلق جبينك وضاء سمحاً كما عرفته.. و ( السالفة) يا اخوان ان ابنه الصغير قال له: انني أحب أمي أكثر منك ؟ ولما جفل رفيقي استدرك الصغير بأن هذا ما علموه في المدرسة.. و لما استفتاني.. افتيته:
 
الأمومة يا رفيقي أحق المعاني مجداً ، وما الأمومة إلا سر الحياة ذاتها... وسكنها ، وغذاؤها ليس للإنسان بل لكل حي يدب على هذه الأرض أمومة الإنسان.. أمومة الحيوان ، وأمومة الذبات وأمومة الزواحف والحشرات.. الأبوة من موجبات الحياة المهمة.. ولكنها تبدأ- حين تبدأ!! بعد ظهور الحياة.. بعد أن تكون الأم صاغته في دواخلها خلية خلية.. وقطرة حياة بعد قطرة حياة.. زمناً طويلاً ، ومكاناً كريماً ، وعطاء أسطورياً يفيض بلا شطان ، وآلاما انعتاقية لتخرج الحياة فتلامس الحياة. بإرادة الفاطر العظيم.. وحتى بعد الحياة في الزمن الأول يفزع الطفل إلى أمه غذاء، وحسنانا ، وملجأ من الخوف. وحضنا يذوق فيه أحلى طعم للأمان على وجه الأرض الأمومة غير ممكنة الانفصال بعوامل البيولوجيا والتركيب الحيوي.. أرتباط تكتبه وثائق الحياة بالجينات والترابط العضوي.. ارتباط هيهات أن يصيبه فصام...
 
والأبوة.. يجدها الوليد بعد الحياة فيما يلقاه من عطايا الحياة ومن أهمها طبعاً.. والأبوة دافع ذاتي ينمو عند الأب.. إن توارى هذا الدافع ضاعت الأبوة وما فطن الوليد. و ما فطن أبوه.
 
هل سألتني يا رفيقي ؟ اذهب وقبل رأس امك وامكث على ذلك طويلا...