سنة النشر : 21/08/1999 الصحيفة : عكاظ
عض على شفتيه وكان قدم الدنيا يعصر قلبه ، لقد كان سخفا سؤالها عن مهنتها. وهي تحاول بكل اعصابها وفصاحتها وفكرها ان تبرر نوعية العمل.. أيا كان هذا العمل.. كان يجب أن يتركهما هكذا تتداعى بالكلام والتبرير الى ان تفصح عما تريد من تلقاء نفسها.. إنها لحظة مرهبة من كبت الانفاس بعد هذا التدفق من الحديث ومن الاشاعير... نظر اليها وهي مطرقة الرأس.
وكان في تلك اللحظات تجمع الجمال منذ القدم ليضع امامه هذا الكائن ابداعا للجمال الحائر اخراجا تراكميا عبر المعاناة منذ القدم للحسن الحزين.. لماذا يبدو وكأن الحزن اليوم صنع للنساء.. الرجال يحزنون.. يصيبهم مرض الحزن أيضًا. ويقعدهم أحيانا حتى عن البكاء.. لماذا في صامتة ومطرقة. وفسائل الشعر الأسود البراق ينهمر على اكتافها ويحجب اطلالة وجهها مثل كوكب ضائع في قبة الكون المظلم.. التواؤها على المقعد الحجري يشبه التفات بنات المعابد الهندوسيات المنحوتة في محاجر الجبال حيث يتنسك طالبو النقاء الابدي في العذاب الهندوكي الذي لا ينتهي نحو الفكاك من الجسد الهزيل الكثير الألم.. والمعلي ، بالرغبات الأرضية.. لماذا تدفعه لهذا التفكير الانعتاقي؟ وأجابت الفتاة بعد مدة لا يعي مداها، مهنتي.. هه مدرسة للأدب الفرنسي.. مدرسة جامعية... يا للضياع يا للحيرة من كان يتوقع ذلك.. جمع كيانه المهتز وابتسامة لما تأخذ شكلها الواضح على شفتيه ورد مستفسرا: ما الذي يجعلك تخجلين من مهنة كريمة ومدعاة للفخر مثل هذه.. وكيف خدعت نفسك وخدعتني.. بهذه المبررات المنطقية لخلع مالة الاحترام عن العمل.. لماذا سحرتني بالبلاغة المؤثرة وقدرتك على ترويض الاسماع... لتضفي حسوحا من البراءة واللزومية على الوسيلة.. ألم تقولي ان الهدف الحياة؟ فمرحي.. مرحى للوسائل.. كدت أن تزيني في السرقة والاحتيال والخوض في الحمسا والكدر والطين كي نصل الى ساحل النجاة.. أن نحيا يوما.. نحيا ساعة.
أين هذا السوط الاسطوري الذي يسلخ ظهور المكدودين امثالك؟ كل هذا تبرير واعداد نفسي مضلل ومغيب.. وانت استاذة ؟ كدت بعد كل هذا احسبك تمارسين عملا دونيا.. كنت احسبك..... وبلع كلامه.. فجأة... معبرا بيديه عن حيرة وعتاب وبرقت عيناها اللامعتان بالدموع بحدقتيهما الواسعتين كاللؤلؤ الاسود- لك أن تحسبني كما يريد لك عبث الخيال.. لقد كنت مستمعا مثاليا.. قاتل الله الجدل.. يا صديقي.. لولا الجدل لاستقرت العاطفة البشرية.. الجدل هو صندوق الشرور الذي حذر منه الانسان.. ان اجادلك أنني حتى لم اكمل لك قصتي.. عملي الآخر...