من أجلنا تشرق الشمس (3)

سنة النشر : 15/08/1999 الصحيفة : عكاظ

 
ثم أن الفتاة نهضت بقامتها المرهفة بدون أن تزيد كلمة أو حتى مجرد النظرة الوداعية التي تضفي الاسدال الرقيق لنهاية اللقاء.. الغريب، أنه اكتشف فجأة انها بخروجها سحبت معها أجواء سندسية كانت الحديقة مموشة بها.. وعادت ، كما كانت مجرد حديقة جرداء تعلن عن خواء مقيم، وكابة خريفية مكان لا تنهض فيه الوردة ولكن: الم تكن الحديقة قبل لحظات انهارا مموسقة متانقة من صفوف الرياحين وتدفقات البنفسج ، ووشاحات الليلك عجب ان الفتاة أخذت معها عالماً كاملا جميلا صداحا. معطرا ثم عادت افکاره تهبط إلى عواطفه وتضطرب معا كالتقاء مهابط الشلالات وصارت الامكنة المحيطة لوحة عميقة لعينيها الكسيرتين.. العينان اللتان حبنت بهما عمیقا اسرار من الجمال وكتبان من الحزن وبحار تضطرب من القلق.
 
وهرب سريعا من خاطر حاد عبر ذهنه کشهاب ملتهب مارق، بأنها على سفح عميق- أمام شاوية.. وانها قد تضيع وبلا عودة. نقض رأسه وكانه يرمي بعيدا ما علق بذهنه كالوسواس الملح. شيء واحد متاكد منه.. أنه التقى بفتاة غير عادية في موقف غير عادي.. وتركته لا يدري كيف ستتتابع الحوادث... لا أظنه قد تناول أي طعام منذ تركته في الأمس وذهب يجري وكان كل شاغله في هذه الحياة أن يتابع أمر الفتاة.. لقد كبل الموضوع كل قدرات فكره.. إن قوة لا يعلمها ولا يمكنه مقاومتها تطير به الى ذلك المكان. تلك الحديقة العجوز الشاهدة لأزمان على عواطف تشور. وتخمد ، وتتلون وتلتهب وتنطفى مع قلوب تجي وتمضي.. تجي وتمضي!! ثم من قال انه حتى يريد مقاومتها ، لقد ترك نفسه كتلة من المشاعر المنهمرة تقوده موجات صاخبة إلى حيث لا يدري عندما وطئت قدماه الواح البوابة المتداعية، جرى قلبه قبل نظره الى الموقع الغالي، وقرعت الطبول بدمدمة عظيمة بين ضلوعه وتدفقت الدماء حارة الى قمة دماغه... فقد راها.. أيقونة من الجمال.. مثل الحوريات الاسطورية اللاتي يبزغن من البحار.. مثل عرائس الجان الذي يقال ان اشعاعات نور من تضيء كل كهوف الجبال ولما اقترب منها كناسك متصوف عتيق رفعت عينيها المتالقتين حزنا جليلا وقالت جئت