سليم .. الذكرى الاستوائية العابرة
سنة النشر : 05/08/1999
الصحيفة : عكاظ
نزلت من الطائرة في جزيرة استوائية قصية سميتها في شعوري قاع الأرض.. لغحنى الهواء الرطب المستقل بروائح الترنج وأزهار الاوركيد كان مطاراً صغيرا بنته قوة بري يطانية في أواخر الحرب العالمية الأخيرة ( تسمى دائما الثانية ، وأسميها الأخيرة تيمنا الايطحن الكوكب في ثالثة. ولكنه لا يخلو من رومانسية الماضي بمقا عدد الخشبية.. وحزام الامتعة المهترى كان علينا أن نخطو وراء فتحة الحزام لتناول حقائبنا ولكن المكان قطعة من سحر الجمال الطبيعي الأرخبيلي ، ونخل النارجيل بنشنی رطبا يتناوش مياه الساحل ولما وقفنا صفا عند دائرة الهجرة والجوازات رايت أنني العربي الوحيد..
وكان متوقعاً أن يكون ذلك من يصل إلى تلك الجزيرة المتناثرة في شاسع الأوقيانوس الهادي. إنه هوس بخيالات ، الجزر نوع من سيطرة شاعرية شفيت منها منذ زمن).. بدأ الاحساس الحاد بالوحدة ينفرس في جهازي العصبي ولفتني للحظات بيئة من الغربة المطلقة.. إلا أن وجها بلون القمح الذهبي المدبوغ كان يطيل النظر إلي باصرار وبعينين خضراوين عميقتين تقطران ذكاء رجل واضح اليها. وسيم التقاطيع.. ثم انه تقدم إلى وشعره الابنوسي اللامع تجرى ذواباته المتناثرة مع الريح والشركة و كانت الريح تصفر من فتحات كبيرة في الصبني العشيق وقدم نفسه قائلا: أنا سليم خان من الباكستان. هل أنت من الشرق الأوسط وتعارغنا.
في تلك اللحظة عينها التي عصرتني بإحساس الغربة في اللحظة التي غربت فيها هذه الاحاسيس طوال الرحلة.. لأن «سليم» لم يفارقني لحظة.. أخبرني انه مدرس للعلوم اللغوية في جامعة كارديف.. وهو في طريقه عائد الى الباكستان ليقطع في موضوع يتعلق بحياته سليم كان شخصاً رائعاً ماثل المعرفة صافي النوايا راقي..الذكاء.. مشرق الطاعة.. تؤرقه اوضاع بلده وكان مولعاً بالآداب الانجليزية والعربية، والفارسية يتحدث انجليزية رفيعة مترفة وانيقة.. ولم يبق موضوع انساني او علمي الا وناقشناه ، وكان سليم دوما متفوق الاطلاع عميق البحث.. عبقريا في رؤيته ومتفائلا جدًا بأمة إسلامية عظيمة..
عدنا.. وعادت الأمور في مساربها العادية. وتنبهت يوماً لذكرى صديق رحلتي العزيز سليم وهاتفته في لاهور ، كلمنى صوت امرأة قالت أنا ساجدة زوجة سليم.. أين سليم ؟ سالت.. وفجاة انهار صوتها وقالت سليم ، توفي!! مات سليم ، من ورم في الدماغ لم يمهله بالرحمة الله ورم في أعظام هيانة عقله الهائل النشاط.. رحل شاباً.. جميلا. صادقا... متاصلا بمبادئه.. فجاة طرقت راسي وايقنت انني سافتقده كثيرا.. ومازالت عيناه الخضراوان العميقتان... تقطران.. في مخيلتي عذوبة وذكاء