شكودرا .. وموعد جديد مع الإسلام

سنة النشر : 24/10/1995 الصحيفة : عكاظ

 
لقد تحدثت -وتحدث غيري أكثر مني- عن نشاط الجماعات التبشيرية والتنصيرية في ارجاء العالم.. وبالذات التركيز على المناطق التي يكثر بهــــا المسلمون والتي استقر فيها الدين الإسلامي منذ قرون وكانت الاشارة في معظم هذه الاحاديث والدعوات والمقالات إلى أن الجهود التبشيرية النشطة جدا! هي في معظمها تعتمد على كيانات خاصة مستقلة تغذي مواردها المالية الهائلة عن طريق التبرعات والمبادرات الفردية والجماعية مما بنى شبكة اخطبوطية هائلة في مدن العالم وريفها ودساكرها لتحويل الأمم والشعوب من دينها إلى الدين المسيحى وتشابكت مصالح ورغبات وثار تاريخي وأحقاد زمنية متصاحبة مع هذا المد التبشيري.. وأنني شخصيا تألمت كثيرا مع حسرة بالغة لما رأيته من تنصير لا يكل ولا يستكين في الأرخبيل الاندونيسي ، وفي جهات البنغال الفيضية وأصقاع بورما وفي جزيرة المنديناو في الجنوب الفلبيني.. وكان صعبا الاعتراني أمام واقع ماثل عن غياب المعرفة الاسلامية الصحيحة.. بل اني رأيت بعض الممارسات الكنسية داخل بعض مساجد جنوب شرق آسيا.. والسبب واضح للعيان وهو أن عمليات التوعية والتواصل والمساعدات للمسلمين اقتصرت فقط على المجهودات الحكومية الرسمية ، وبالذات حكومة المملكة العربية السعودية والشواهد أكثر من أن تعد.. ولكن هل هذا كاف بالقطع كلا.. فالإسلام والمسلمون بحاجة الى جهود ومال ومبادرة وغيرة الآلاف من المسلمين جماعات وجمعيات ودوائر أعمال ومصالح واغراد عندما تكون الانطلاقة الصحيحة لنشر ودعم ركائز الاسلام العظيم في أركان الارض كما فعل أسلافنا او ذلك الدور المجيد الذي قام به نجار بسيطون من جنوب الجزيرة العربية لنشر الاسلام وتثبيته القرون في الملايو واندونيسيا وجزر بحر الصين.. ذلك ليس امرا محالا.. بل أن الاسلام قابل للتوسع والانتشار من ذاته.. أحيانا يكفي ان ننقله.
 
ويعمل كل منا شيئا بسيطا من أجله... بل من اجلنا جميعا. ولالبانيا حكاية تروى.. بل لابد أن تروى لتكون مثلا حاضرا وواضحا امام كل مسلم... هذه الدولة التى كانت منذ العصور الباكرة جسرا هاما ومعبراً اساسيا داخل العمق القاري الأوروبي وخارجه منذ سعى لها القوط الشرقيون في القرن الخامس الميلادي الي أن نازعتها معهم عبر قارات مستمرة امبراطورية بيزنطة التي سادت بها.. ومع الزمن لم تبق المانيا كسباً مستقرا للبيزنطيين فقد انحسرت سيادتهم الى المدن الساحلية فقط.. وتغلغل الاشراف العربي والبلغاري في الداخل بصفة دائمة.. وثارت الأطماع الدولية على هذه المنطقة المهمة في القرن الحادي عشر فتوسعت البندقية بمستعمرات في اشقودة والسيو، وتنازع النورمانديون وبيزنطة على السيادة في الباقي من البانيا الى أن استقرت بأيدي النورمان.. ثم جاء القرن الخامس عشر والدولة العثمانية المسلمة قوة عظمى ملكت أواسط آسيا وشمال افريقيا والتهمت أجزاء من الشرق الأوروبي في البلقان وحكمت اساطيلها مداخل البحر المتوسط.. وفتحت البانيا امام المد التركي في ار اخر سبعينات القرن الخامس عشر الميلادي.. واستمر الحكم العثماني ردحا من الزمن صاحبه تأثير حضاري وديني عميقان ودان أغلبية الألبان بالدين الاسلامي حتى صارت الغالبية العظمي: ۷۰ ٪ من المسلمين مع بقية من الكنيسة الشرقية الروم الارثذوكس ، وخليط من الكاثوليك.. الى ان انتهت الحرب الثانية بانتصار الحلفاء وعصابات المقاومة التي قادها انور خوجة ضد الفاشست ثم أعلن البانيا جمهورية في العام ١٩٤٦ م.. ولكنها جمهورية شيوعية متجردة منغلقة من حزب واحد يرأسه أنور خوجة منتهجا سياسة الكومنوفورم ومنضما الى حلف وارســـــو.. وجثم الطغيان الشيوعي العقود على اجيال من المسلمين وازيلت المساجد والآثار الاسلامية ومنعت شعائر الدين في محاولة لنزع الدين من جذوره الضاربة في الأرض والأنفس الألبانية.. وعندما انحسر الكابوس الشيوعي.. صارت البانيا مرة اخرى مرتعا لأذرع الاخطبوط التنصيري ورغبة دفينة لاوروبا بالا يتغلغل الاسلام من المنفذ الألباني بوجه خاص ومن الساحة البلقانية عموما.. وماجرى في مدينة شكودرا الالبانية ذات الغالبية الاسلامية الكاسحة يعتبر مثالا وأنموذجا حيا وواقعا حاضرا لما يواجهه المسلمون هناك فقد حاولت الكنيسة الكاثوليكية وبمباركة البابا في حاضرة الفاتيكان بروما الاستيلاء على قطعة أرض مهمة في تلك المدينة لتنشيء كنيسة عليها لتصاري المنطقة، وكان الاختيار لايخلو من رمز عميق.. فقد كانت ذات الأرض موقعا لمسجد في الماضي.. وثارت غيرة المسلمين وناشدوا مع دار الافتاء بالبانيا لوقف المد المسيحي في بدايته قبل أن يستفحل وبعث الدعوة والتعاليم الاسلامية بعد فترات الاضطهاد. لذا بادرت عائلة الزامل للاستجابة- وكان هذا منة عليهم من رب العالمين- لبنساء مسجد يعتبر الآن أكبر مساجد البلقان وببناء هندسي جميل صار معلما للمدينة وعمت الفرحة النفوس المسلمة هناك وسمعنا عن ذلك قصصا كثيرة تفجر العاطفة وتأجج الحماس يوم الجمعة القادم هذا سيشهد حفل افتتاح المسجد بحضور ضيوف كبار وكم اتمنى ان تعمم تغطيته الاعلامية.. حثا للمسلمين القادرين والافراد العاديين- مثلى ومثلك- على العمل الجماعي المنظم لخدمة ونشر هذا الدين وشواهد نجاحات هذه المساجد والمراكز الاسلامية فاقت السوصف ، فالمراكز الاسلامية التي اقامتها وساهمت بها الحكومة السعودية الرشيدة صارت مصادر اشعاع وتجمع ودعوة للمسلمين والداخلين الى الدين الاسلامي في أكثر من قارة في العالم.. والمطلوب الآن جهودنا جميعا ضمن قدراتنا واستطاعتنا والمسجد الذي اطلق عليه اسم مسجد ابوبكر الصديق رغم اكتماله مسجدا ومكتبة ودارا للدرس الا انه من الممكن ان يستقطب جهود وتبرعات المسلمين لزيادة ادائه ولاستمرار رسالته- وكل ذلك أجر عنده سبحانه وتعالى... راني ادعو الله ان اكتب هنا أو يكتب غيري عن مبادرات اسلامية أخرى لأي من البناة وداعمي الدعوة لهذا الاسلام الذي لن يزداد نوره الا توهجا باذن من الله تعالى.