صور الحياة

سنة النشر : 17/10/1995 الصحيفة : عكاظ

 
الحياة مليئة بالصور المتناقضة ربما ولكنها في النهاية ترسم الصورة المتكاملة لوقائع الحياة وطبيعة مسیرها تؤطرها الحتميات الدنيوية الانسانية المرتبطة بصفات ووقائع وحقائق أزلية أبدية... الصورة الأولى: ام أحمد: انظر إلى جيراننا بيت الرابح فلقد عين أبوهم رئيسا عاما للمؤسسة التي يعمل بها وبينهم يضج بالزائرين والمهنئين. أبو أحمد ان هذا فقط بداية الغيث يا أم أحمد فغدا سيصير شخصية مهمة وسيظهر في الصحف وفي التلفزيون وسيكون نجما من النجوم ولن نستطيع منذ الآن ان تلاقيه كما تفعل كل يوم.. سيكرت وقته لناس أكثر أهمية.. وكم من سياتي ويقدم له الخدمات والمنافع بدون حتى أن يشير بأصبعه ولا حتى برمش عينه.. أنه الحظ يا أم أحمد.. الحظ بخبطة واحدة يفتح كل الأبواب.
 
أم أحمد: الله يباركلها أم الرابح فمنذ الآن ستصبح سيدة مجتمع ستفتح لها المجالس وسيتسابق اليها افواج من السيدات مقدرين محترمين وستكون محفوفة بمظاهر الأبهة والسلطة اعتقد انها ستعيش منذ الآن فوق السحاب أحد الأبناء: أولاد الرابح يا أبي قالوا لي أن سيارة كبيرة آخر موديل ستأخذهم الى المدرسة كل يوم ومدرسونا منذ الأمس وهم يعاملون فارس الرابع كأنه ولد من جديد في الفصل.. وكأن لا أحد في الفصل غیره..
 
أبو أحمد: إيه.. كان بامكان الحظ أن يزورنا.. ولكنه أقسام عند الجيران.. تصوروا فقط استار قليلة ويكون في معيتنا الآن.. هذا ما اراده الله والله اني لا أحسد أبا الرابح وإنما أغبطه.. يعني شيء أكبر من الغبطة... بعد شهر..
 
أم الرابح: لم أعد أطيق هذه القيود الجديدة انظر الى الراحة والطابع الرائق الذي يشمل بيت الجيران أبو الرابح هذه مسئوليات وتكاليف وعلينا الصبر.. فحياتي أيضا لم تعد لي... اصبحت شيئا عاما يملكني الجميع.. ولأبد من المستحيل وهو ارضاء الجميع.. فقدتُ الخصوصية والحميمية اختلطت الأمور بين النجاح والعيش الطبيعي.. واختلطت الانفس- لم أعد أميز بين الصادق والمزيف.. والمنافق... بالحسن حظ أبي أحمد يخرج ويعود ويتجول كما يشاء لا قيود. ولارسميات ولا وقوف على رؤوس الاعصاب يمارس الحياة السهلة المفتوحة والتصرفات الطبيعية مع معارفه واصدقائه واهليه والأهم يعرف محبيه والراغبين فيه لشخصه.. إنني اغرق بالضوء.. ذلك الضوء الباهر الذي يصدم رؤيتي فلا أبصر شيئا.. ام الرابح: الله يسهل عليك يا أم أحمد... كل يوم زوجها معها.. ويخرج معها.. ويتدارس مع أولاده.. وأهلها يزورونها.. وتزورهم كلما أرادت ذلك.. وانظر الى حالي.. أجارني الله.. من كثرة ارتباطاتك نسينا شكلك في البيت وحفظنا شكلك.
 
ابطال الافلام بالتلفزيون. ومن كثرة زراري لم يعد في وقت لزيارة حتى أمي. وان الى الأهل لزيارتي فانهم لا يستانسون من كثرة الاغراب في المنزل وطول الوقت. أحد الأبناء يأتي مسرعاً: بابا.. أبو أحمد كل اسبوع يحضر الى المدرسة.. وأمس حضر مجلس الآباء.. وهم لا يقبلون حضور مبارك السائق الى المجلس.. بابا الله يخليك قل لمبارك أن يعطيك السيارة!!
 
الصورة الثانية: علی شفت یا محمد زميلنا أبو مصعب ترك الوظيفة ويعمل الآن حرا.. له مكتب فاخر وعنده الكثير من الموظفين الانيقين.. ودايما «البشت مكويا محطوطا على يده اليسرى.. وآخر عز يا أخي... محمد إيه.. الله يرحم حالنا.. حابستنا الوظيفة ، ولا نستطيع أن نخرج من حدودها قيد أنملة.. أفراد في. جيش عرمرم من الموظفين لا رأسنا يبرز ولا كرشنا ينبو عن الصفوف ولا تخدمنا إلا أيادينا أبو مصعب صار أسما يعلق في المباني وعلى لوحات الاعلانات وفي ركن الاجتماعيات بالصحف والمجلات.. والله اني لا أحسده. فقط أغبطه.. يعني شيء أكبر من الغبطة. في مكتب أبي مصعب.. محمد وعلي يزورانه أبو مصعب أ أهلا بزميلي القويمين.. والله جعلتماني اضحك كثيراً عندما تهنثاني بعملي الحر ».. والله ماهو بحر.
 
هذا عمل استعباد.. أشعر انني عبد مكبل بالقيود والأصفاد.. انت تعرف اجازتك.. وانا لا اجازة لي على الإطلاق. انت تعرف حدود وظيفتك وعملي هلامي شكل ولا حدود.. ببدايات لا تعرف نهايات. انت تسير ضمن طريق.. وأنا اجري في مفازات لاتصل الى اهدافها أنا ودعت الراحة والاطمئنان.. ويغمرني دوما القلق والتخوف في كل لحظة وعند كل منعطف... في عقود العمل.. وعندما لا أملك العقود.. مسئولياتكما تنحصر في عائلتيكما... وتنتشر مسئولياتي على من يعمل معي اولى.. قد لاترتفعان كثيرا ولكن من الصعب ان تقعا.. قد ارتفع ولكن ان وقعت وقعت وحيدا.. ومهشما.. أني لا أحسدكما.. ولكن! ليتني في الوظيفة لكنت الآن مثلكما أزور الاصدقاء واعرف ان عمل الغد مضمون.. اني لا أحسد كما. ا.. انني فقط فقط أغبطكما!! هل أزيد من الصور.. أظن انكم تستطيعون أن تأتوا بصور لاتنتهي!
 
يبدو تناقضا في الحياة.. ولكنها الطبيعة البشرية التي ترى في أكثر الأحيان النصف الفارغ.. انا وراء ضالة الحكماء.. التي-للأسف- لا يجدها إلا هم.. تلكم هي القناعة.. صفة بسيطة.. لأمر صعب.