تمّام ..... ورسالة لا تصل
سنة النشر : 14/03/1995
الصحيفة : عكاظ
تمّام.. هنا أكتب إليك.. وهنا أكتب عنك.. واكتب حولك رسالة لن تودع صندوق بريد رسالة لن تصل محطة ارضية... رسالة ـ يا بني- لن تقع بين ناظريك ، وأن تحظى ان تقر بين يديك..
رسالة ربما مني.. إلى.. اضع فيها شوقي اليك.. واحمل عن قلبي اثقالا من الحب.. وأنواعا لا أعيها من العناء.. والاعجب با تمام انك حتى الآن وربما أكثر من أي وقت مضى تشيع في انفاق النفس الضياء.. وتغلف الروح كالات من صفاء...
الرسالة حروفا ومادة لن تصلك.. حيث انت الان. فقد عبرت إلى الفسح التي لا تنتهي.. حيث الخالق ينقل خلقه منذ الأزل بمواكب لن تحيد الى الابد ولكن ادعو الله ان تواصل روحي روحك. مع مسافات الضياء.. والملالات النور.. وتسبيح الكون.... ومع عفو ترجوه.. والى مغفرة هي منتهى ما نصبو اليه
اكتب إليك يا بني واني أعلم بل أشعر بضيق الأسار.. ضيق لغتنا الارضية في مرابع الخلود حيث أنت...
مازلت ارى طفولتك يا تمام.. كنت اول الابناء لم تكن ابدا ابن اخت فقط.. فرضت علينا دوما شيئا أكثر من ذلك. علمتنا كيف نتعلق بالابناء.. وكيف يكون هذا التعلق شيئا مثل الحياة.. اغلى من الحياة.. وستبقى أول الابناء يا تمام.. وستبقى أول الحب الذي من ينتهي أينما كنت.... أجاب ان اقول لك هذا يا تمام.. لن تسمعه منذ الآن.. ارتاح ان اسمعه إلى نفسي
اكتب اليك با تمام. وانت لن تحتاج ما أقوله.. ولكن أحتاج أنا ذلك. أكتب اليك بعد ان هدأت النفس.. وصار الرضا قبولا بالقدر.. وإقبالا للدعاء والعمل بعد أن غابت وراء الافق كالاعصار- مقابض الحزن. وأهوال الحدث ، وبقي الحب ينساب رهوا ، هادئا.. يعب. من بحر.. بل من بحار..
أكتب اليك يا بني لتعلم أو لتعلم نحن ما نفعتنا به وأنت المغادر ( والله وحده يعلم من ذا المنادر ومن ذاك الذي وصل واستقر ؟)) وما شملنا به رحيلك من منافع لم تكن لتمنحها لنا في حياتك.. وتكشفت لنا طاقات لم. يكن مقدراً أن ندركها بوجودك.. وان اعطيت في حياتك.. فعطاؤك الآن لا يقاس- يا بني. وكيف يقاس وأكثره نفحات علوية.. إمدادات من السماء.. منن من الله؟!
لقد أسفرت طاقات الايمان العظمي وأشرقت فضائله الكبرى... عندما احتسب. والداك وصبرا.. يا بني هل لي أن أبشرك اننا كنا ننهل المواساة من نبع ايمان أمك التي نطمئن علينا واحدا واحدا.. فردا فردا. باللايمان العظيم وما أحوجنا إليه.. الايمان بذاته منة کبری... أو تعلم يا بني قبلنا الصبر والتجلد.. من صير والدك وجلده الكبير.. وكاننا انتقلنا اليهما لنرتاح.. لا لكي نريح هل لي يا تمام ان افسر لك ذلك الارتياح العميق الممزوج بدمع الرضا على وجنتي جدك وجدتك.. وقوى ايمانية تكاد ترفعهما عن الأرض... وا ابناه.. إنني أصدقك النقل...
ويأتينا -يا بني- الرجل صاحب الوجه الوضي... امام المسجد.. تلك النفس المجبولة بنبل الأيمان ، ودفق الشعور الصادق.. ليحدثنا عنك... وناني كلماته نسيما رقراقا يمر على كل خلجة حزن ليضع فيها وردة أمل.. وعطر رجاء ليمسح التوجس ويبذر الاطمئنان العميق.. تمام يا اخوة... يأتينا صوته النضر النبرة كان فتى عاقلا. متزنا.. تعرفه جيدا بالمسجد. وبوفاته توافرت اشارات حسنة من اشارات الشهادة وحسن الخاتمة.. وادعو له... لافض فوك يا رجل.. لافض فوك.. جئت كالنسيم.. وتركت المكان يضوع بعدك اريبا.. لا فض فوك ذهبت -با تمام بازغا مشرقا ، بعد ان صمت الشهر الفضيل.. بعد أن اعتمرت بأهلك.. ذهبت يابني.. يافعا.. نضراً.. لتبقى ذكراك يافعة نضرة ولقد قرات- ياتمام- أن الانسان لو يعلم الغيب لرضي بمصيبته الحاضرة.. قريعا كفاك الله شرور أيام قادمة.
تمام... انهدا الآن...
ولنرض بما خطته يد الإله العظيم... ولتعلم أنك في أمن مكان.. حيث تسترد الأمانة وتحفظ في المقر المكين... وابتول- يا ابني أن تنادي على أبويك أمام بوابات الفردوس!
من خالك
نجيب الزامل
شوال ١٤١٥ هجرية