التوازنية (2)

سنة النشر : 17/01/1995 الصحيفة : عكاظ

 
في التوازن المجتمعي: لابد ان يخلق المجتمع بالغريزة الجماعية اطارات وحدودا التقبلاته ومسوغات أعضائه وهذا تراه واضحا في المجتمعـات التقليدية والشرقية وبازغا في البيئات الاسلامية. فلا يسمح المجتمع | بممارسات واقترانات شاذة حتى لمبدعيه.. أو لنقل بالذات المبدعيه.. ولكن عندما سادت الاباحية او ماتسمى ( بالتسامحية!!) في المجتمعات الغربية نمت المذاهب الاجتماعية اللامتوازنة سلوكا وفكراً وفنا. وقذفت هذه النزعة بمواليد ناقصة التكوين وبخط مضاد لارادة الحياة الانسانية.. الوجودية ويكفى أن كاهنها الكبير جان بول سارتر ارتبط بحياة مخلة وعلاقة نكراء على الملأ الفرنسي والعالمي مع تابعته المذهبية سيمون دي بوفوار والتي تلمست بلاطائل في بقايا حياتها الفكرية طريقا للتوازن وهروبا من سطوة سارتر وفكره المسيطر.. أن مجتمعا كهذا هو الذي يسمح أن تستشرى به مذاهب مسرحية من العبث ( اللامعقول) ليقوده رواد لم يعرف التوازن شخصياتهم وان ملأوا العالم ضجيجا بل والحسرة اعجابا) مثل كونت الذي اضاع ريفه الايرلندي الهادىء في الصخب الفرنسي واويسكر الذي نسى لغته.. ان ارهاصات اجتماعية واعتبارات تبريرية حتى في مجتمع م م محافظ المجتمع الانجليزي في القرن التاسع عشر) هي التي انهت ذلك الذي تبجح يوما في الموانيء الامريكية بانه لا يحمل الا عبقريته انه أوسكار وايلد الذي رماه شذوذه سجينا في زوايا العار يعاني من الذل والهجران والهذيان.
 
فالتوازن المجتمعي هو الذي يضع حواجز لايتعداها عضو المجتمع والا نبذه مجتمعه وإنتهى قبل ان يبدأ.. مهما حمل هذا العضو في رأسه!
 
في التوازن الاقتصادي: لقد اخطأ ماركس وانجلز خطا فظيعا ولم ينل العامل والبروليتاريا الا المر والفقر والفشل الذي لم ينقطع حتى نزف آخر دمائه. ولقد تعثرت نظريات مالتوس ونأت مذاهب ادم سمين عن الدقة الواقعية.. وكلل الخطأ المزمن فاكوياما عندما أوقف التاريخ عند آلية السوق.. فلقد تطرقت الى ضعف ممر النظام المالى العالمي في مقال نشر في جريدة «عكاظ» بعنوان ( زلازل) النقد. وبراكينه وتطرقت إلى الفواجع الاقتصادية العظمى منذ الكساد العالمي الكبير في أوائل الثلاثينيات إلى اتفاقية بريتون وودز ، والى انفصام الدولار بدراما هائلة عن قاعدته الذهبية بقرار مهيمن من الادارة الامريكية في أول الستينيات... أن المجتمع الاقتصادي الكوني ابعد ما يكون عن التوازن حاليا ولن اتكلم عن الثراء العريض شمالا والفاقة المقفرة في الجنوب ، ولكن اشير الى نظام الاقراض وتراكم الفوائد والعجز عن التسديد والتخيط في الجدولة وضياع الرؤية.. وضياع المصير.. وانهيار مؤسسات مالية حول الكرة الأرئاسية كبراكين تنشر الحمم الحارقة. او زلازل ترتكس بعدها هذه المؤسسات في الصدوع والأوحال.. والدولة الاغنى والأبعد جاها وسطوة هي بعينها الاعظم مديونية قاطبة ولن انظر فى اصلاح السوق النقدى العالمي ران فعلت فسأعرض نفسى لشيء. أكثر من النقد ولكن فيما وضعه الشارع الاسلامي حلول عظمى لتاسيس نظام اقتصادی تبادلى يبنى على المنفعة والمخاطرة المتساوية في مبدأ المشاركة. فتتدافع المصالح لتصب في قناة واحدة كمخرج لما تواجهه الان عندما تنتقل دماء العافية إلى الأجساد المكتنزة من كيانات فقيرة ساذجة لترتعش بين الموت.. والموت في التوازن السياسي عندما تنتهك السلطة من قبل وثاب للقوة وعطش. للتصرف باقدار الامم والناس تكون هذه الظاهرة طعنا للتوازن السياسي ويقود للخراب والدمار والحروب وتضيع على الانسانية فرص التقدم وأمنال الاستقرار. وكانت خدعة العالم في التوازن السياسي قديمة منذ مكيافيللي ومصنفه ( الامير) وكليمنس مترينغ السياسي النمساوي الذي سمى عصره باسمه وصاحب ( نظرية الحالة الراهنة.. وساعطيك مثالا من التاريخ بعيدا عن القادة الشاذين الذين وقفوا ضد العالم كهتلر.. أو القائم على غزو الكويت وارى هذا المثال ذا دلالة عميقة لاضطراب التوازن النفسي الذي قاد الى خلل فاحش في التوازن السياسي، وذلك بالقصة المعروفة عن اغا محمد خان شاه فارس ومؤسس أسرة قاجار الذي وقع في سن الخامسة بيد اعداء أسرته وسلبوا مادة رجولته فشب يحمل حقا دفينا وظاهرا على العالم. وكان فائق البدن جم النشاط مائل الحيوية ووظف هذه الصفات في البطش والتنكيل بقسوة حائرة لاتنتهي ومازال التاريخ يرتعش من مذبحته الكبرى في كرمان التي ختم فيها حكمه.. ولقد سار خبر موته بالفرح والاعياد بين رعيته.
 
والخلل التوازني ذو أثر عظيم.. إلا أن عواقبه تكون مدمرة وساحقة وانية لجموع كبيرة من البشر عندما يكون هذا الخلل التوازني سياسيا.. ولا تجوز إلا تلك البلاد التي ينعم الله عليها بولاة أمور يسعون للخير ويعبدون النماء....
 
ولنقف قبل أن أريحكم من عناء ماسبق لنضع الفرق الدقيق بين التوازن والا اتزان فبينما يكون التوازن تبادليا بتلقى الاحكام والمقبولات الخارجية والتعامل معها مع أدوات النفس..الداخلية فان الاتزان هو انسجام وتناغم ينبع من الداخل لقيادة الفرد الفكره وسلوكه.. وقد لانكون بالتوازنية عالجنا جديدا ولكنه الاسراع إلى فتح غطاء يخرج منه الضياء كلما ادلهمت الخطوب