وأيضًا وقفة مع .. وقفة أمام الكعبة

سنة النشر : 03/01/1995 الصحيفة : عكاظ

 

.. لقد قرأت كتاب الدكتور فايز بدر في جلسة واحدة من الغلاف الى الغلاف... حرفياً.. كتاب" وقفة أمام الكعبة" ولست في هذا المقام في مدد تحليل ما جاء في متنه والتعمق في مادته.. فليس لي ان اخوض في بحر لا أملك القدرة على السياحة فيه.. وان تهورت في ذلك فان أملك- قطعا- الجلد على عبورها انما نقلني الكتاب الى الشخصية العامة الفايز بدر. والى الاجواء » التي اعتقد انها دفعته للقيام بهذا المشروع.. ولا ارى انه ينبري ليقتطف شهرة أو تميزا لنا ان نقول انه فيهما اصلا.. انها اشعارات من داخل نفسه وحوافز من اعماق عقله واستعدادات جبلت منها طبيعته في التصدي للمشاريع واتمامها.. وأنا عندما اتطرق للحديث عن شخصية صاحب الكتاب فلك ان تقبل ذلك.. ولك أيضا أن تنكره.. وما اخاله قبولا فلاني عملت في الجهاز الذي برأسه منذ بواكير حياتي العملية وتعلمت الكثير وصاحبت انجازات كانت شيئا لشاب مثلي اعمال مشوبة بنوع من الخوارق الادارية ولقد جمعتني مناسبات العمل للتلاقي معه والتلقي منه.. وما أخاله يوما ما قد يعتقد ما قدم يضفيه شعوري من هالات على الصورة الحقيقية كما يجب أن تكون.. وما يعطيني نوعا من الانعتاق من احتمالات الاتهام هذه.. انه مرت سنوات على تلك الفترة التي عملت فيها بالموانيء.. ولم اعد ارى الرجل أسفا الا الماما.. وقد لا أراه مستقبلا الا كذلك. من هذا الموقع أسمح لنفسي بالتكلم عن الطقس العام والانهمارات النفسية وراء کتاب كهذا، أن أول ما يصادف من يعرف شيئا عن الصفات الشخصية والملكات المعرفية للكاتب اثناء قراءة هذا الكتاب هو التطابق والانسجام لهذه الصفات والملكات مع الكتاب... وما قد يعتقده القاريء لأول وهلة مؤشرات لاتضاد والانقسام.. ودعني اشرح ذلك.

من إخراج الكتاب، وتصميم الغلاف أجزم أن أحداً لم يشارك في وضعه غير المؤلف ناسه.. غلاف مباشر وساطع الخلفية الكبيرة البيضاء الناصعة.. والعنوان بالأسود القاطع فائط هذه اولى مداخل بل عناوين الشخصية عند فايز بدر الذي ترك اسمه طليقا هكذا بدون الدال الاسطورية التي وراءها رسالة يعتقد المؤلف أنهم حسب فهمه لهم في وقفة له عن الكتاب في نهاية مطافه سيلتقطونها وراء ذلك.. فايز بدر من أولئك الذين يرتبطون بحدود الاشياء.. وإطارات للصور وتخوم للمواقع.. ولا يؤمن مطلقا بالمناطق الرمادية والمناطق المتداخلة والابواب المواربة.. واظن وما اجزم لو كانت له قرارات في الالوان لما صنف الرمادي في قائمتها.. وهذه الإطارات والحدود والتخوم لا تكون اسارا فلك ان تكبر اطاراتك تمهيدا لتكبير ما يحتويه الإطار ، ولك ان تترحل بأشيائك على أن تضع قبلها الحدود. وتتسع بمواقعك ومن ورائها-- لابد- التخوم... ومن التوافق والانسجام ايضا سلامة اللغة وانسياب الكلمة لرسم المعني وما عهدنا من المؤلف الا التشبث بمقتضيات الاسلوب العربي الصحيح ولا تخلو هوامش ردوده الرسمية على مكاتبات مرؤوسيه في احيان عدة من اشارات وتصويبات لغوية ونحوية... ومن ذلك ايضا في التوافق بين الشخصية والكتاب الكتب والمراجع التي قرئت حول موضوع واحد ومنظور تاريخي محدد.. في ذهن الكاتب وربما ما تشرب مع روحه طوال مراحل عمره... وهو الذي ولد ونشأ وتعلم ( جبارا!) للكعبة.) استخدام المؤلف الموفق لكلمة ( جار) جاء معبرا تماما عن التدفق الروحي والمسار الزمني.. ولكن ما أعنيه هنا ما أعرفه عنه وكما اخبرني عن ولعه بالقراءة حتى تحول الى شيء من هواجس حياته.. وما فهمته إنه يسرق وقت الراحة ( القيلولة) للقراءة يومياً.. ويملك مكتبة ثرية بالاف العناوين ومن طموحاته) صرف قسم من عمره بين مراجع ورفوف مقرات الكتب العالمية الكبرى. وفي كتابه الموجز قرأ الكثير..

وما قد نراه تناقضا بين صفاته الشخصية واكتاب نوع الاسلوب وطريقة مخاطبة القارىء المليئة بالتمهل ، والاعتذار والاشارة الى امكانية الزلل وما عرف عن الرجل الا بسمته الأولى بالتوغل في القرار ، والحسم في التعليمات وعلى النبرة في الخطاب.. ولقد رأيته في ا احد المشاريع يديره فعليا من الموقع ولكن ليس كمديري المشاريع ، وانما كقائد معركة...

يريد سرعة.. وحسماً.. ونصراً مؤزراً.. وهذا ما كانا وتجده في كتابه هينا مبررا طالبا التريث في الفهم والتفهم عند الزلل.. وحيث اني اعرف الجانب الرسمي فقط للكاتب فقد لا أملك الأدلة القاطعة على نفي هذا الذي يبدو انقساما ولكن باداتنا التحليلية الأبيض والأسود فما أراد أن الرجل جاد في عمله وواجباته حينما تتطلب الاطارات والحدود والتخوم التي وضعها ذلك.. بينما تتطلب تلك العناصر ظروفا مختلفة في الحياة الاجتماعية ومع الاصدقاء والزملاء كاللين والمجاملة وغيرها من مفاتيح النفوس وهنا ينتفي التناقض تحت اطار الاجادة في الحالتين ثم انه يبدو كثير التوجس شديد الحذر قبل أن يطأ لغما قد يثور هنا او هناك فيما هو موضع اختلاف ، ومدعاة خلاف. ولكن القارىء الذي يراهن المؤلف على فطنته يجد أن تلميحاته لا تخلو من الصراحة الكامنة. افيس الأجدى الا يذكرها مطلقا ؟!..) وبالفعل فقد تلقى نقاد الكتاب ذلك الانطباع وربما بالغ بعضهم بنقده كرأي قاطع صريح وراح في نقده بهذا السبيل.. ولم يخل من اجل ما نظنه تحذرا من غمز في قناته وبعضها تجاوز التصريح الى نوع من الاتهام.. وستجد تأكيدا على ما أقوله في أعطاء الرأي القاطع عن حادثة استلام عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الحجر الأسود والركن اليماني.. عندما ينهى التطرق إلى تلك الحادثة قائلا... فإننا سنجد ازديادا في ايذاء الناس بعضهم بعضا... وقد غررت بهم أ أخبار حتى لو صدقت لكان حذفها أولى!) (علامة التعجب من الكاتب!!) وما لفتني الذوب الوجداني في الكتاب وفايز بدر الوحيد الذي يعلم سبب. وتبرز قمة ذلك الفيض الشاعري للدموع التي ذكرت مرتين تصريحاً عن دموع والدته. ومجازا من دموع الكعبة...

فايز بدر يا ذاك الطفل الذي أوقفته أمه أمام باب الكعبة.. أن لأمك أن تمسح دموعها!