طاش .. وطاش

سنة النشر : 11/03/1994 الصحيفة : عكاظ

 
... كنت عازماً على استهلال هذا العمود ( بيني وبينك) للمرة الثانية ( وهذا كرم من القائمين على هذه الجريدة لا أرى له تفسيرا..) بمقال اقتصادي- استطراداً لطبيعة المقال الاول- عن الثورة اليمينية الشوفينية في اليابان! للخروج من اسرها الباسفيكي والتمرد على النص الشهير فى الدستور الذي يحرم على اليابان النشاط العسكري الا دفاعا عن النفس.. ومطالبة جيل ما بعد الحرب الثانية ( اليمين الوطني بيابان ذات قوى عظمى.. وتأثير سياسي عالمي.. ومطالبتهم بكرسى دائم لليابان في مجلس الامن.. الا ان موافقة غير محسوبة ارسلت في ذهني أثرا لا يصد لترك هذا الموضوع جانبا ـ واعدا بالتطرق اليه تفصيلا في مقالة قادمة- الا وهو برنامج (طاش ماطاش) الذي يقدمه التلفاز السعودي في ايام رمضان.. الذي شاهدته مصادفة ( فأنا لست من المخلصين جداً للتلفاز) ولأول مرة!.. ورأيت ان هذا حدثا على الساحة الفنية السعودية يجب الا يغفل العاملون فى هذا المجال عن الاشارة اليه.. وانا بطبيعة الحال- ولحسن حظ المشتغلين بالفن-- لست منهم!! إلا أنني بصفة مشاهد تابع الحركة المسرحية وبالذات ( الكوميدية) في الخليج اود ان اعالج انطباعاتي عن بطلى المسلسل.
 
لندعو التاريخ قليلا!! منذ السبعينات تابعنا في الخليج الحركة المسرحية كمتلقين ومشاهدين عندما بزغ افق واعد للمسرح الكويتي الذي التف حوله الخليجيون ليس فقط لكونه خليجياً اطبهم بلهجتهم ويتمثل اليهم بعاداتهم.. بل لتأسيسه بشكل علمى وعملى صحيح منذ بداية الستينيات وباشراف رائد مسرحي ( زكي طليمات) وخروج تلامذة نجب أوصلوه الى مرحلة عصر ذهبي حيث اشرقت وجوه فهمت طبيعة المسرح.. وتألقت في صبغها خليجيا بلا اسراف....
 
وانقسم المتابعون انذاك الى فئتين فئة حيت وساندت الطريقة التي انتهجها صقر الرشود.. المسرحيات ذات الهدف والكوميديا الهادفة وفئة كبرى انجرفت وراء مدرسة حسين عبد الرضا في رسم الضحكة وزرع الانشراح كهدف اول ولا بأس أن يحتوى على بعض المعاني الهادفة على الا تؤثر على مادة الاضحاك قوة وتصرفا..
 
ونمت بعد ذلك الحركة الفنية عموماً في اقطار الخليج بقصد أو بغير قصد على خط حديدي ذي قضيبين احدهما يتشبه بالاتجاه الذي وضعه الرشود والآخر على النمط الذي عرف به عبد الرضا.. ولا من جديد بازغ وفي المملكة بالذات تأثرت الحركة الفنية بالنهج الكويتي وبالذات في الشخصيات الخليجية التقليدية وان كانت هناك محاولات فردية ناجحة. ولكن بقيت عزفا منفردا.. اما المعالجات الكوميدية فأتصور أنها كانت ـ عفواً- ساذجة الى حد ما!!
 
إلا ان بطلى هذا المسلسل طاش ماطاش- يرسمان وارجو ان يكون بوعي سابق) احقية جديدة لريادة سعودية في مجال الملهاة الهادفة.. وهى اذن جمع متقن للمنهجين الكويتيين.. واختلف عنهما- ولا اقول فاقهما متحفظا برسم طابعية صريحة وانطباعية واقعية للطبيعة السعودية تصرفاً واهتماماً وسلوكاً.. ( طبعاً برتوش كاريكاتورية يتطلبها القالب الكوميدي)... فهما كما يبدو لي مثقفان وهذا يبدو من طريقة المناولة للموضوع المراد معالجته ( حيث ان المثقف ضمير المجتمع وعينه الفاحصة). وهما ذكيان... حيث لا يصرحان بمسرحية معجوجة عن المشكلة وعليك بسهولة- مع ابتساماتك- المتتابعة- ادراكها..
وهما لماحان.. فانك لاتجد خطابا واعظاً ثقيلاً.. وانما لك أن تنتقد بأدواتك التقييمية النابعة من مبادئك وضميرك العام تصرفات الشخصيات التي يتقمصانها...
 
والذي عزز من اعجابي بهما تفاهمهما الواضح في الاداء في سياق انسيابي لخدمة هدف البرنامج فلا يتعمد أحدهما ( سرقة الكاميرا) أو التهريج على حساب زميله ثم انها متعددا المواهب فهما معدا الحوار في هذه الحلقات ( بالتناوب) وتعديا مرحلة ـ يعاني منها أكثر المسارح عراقة- وهي احتكار مادة النص الجذابة في الحوار لحساب بطل ما... او ان كان معد الحوار بالطبع.. اذن برنامجهما بالنسبة لى طاش وطاش ( بمعنى فارت القارورة اى فاز وفاز انا اقدر باستثناء الناجحين في الكوميديا الهادفة في العالم العربي الميال للدراما الثقيلة والبكائيات والحزن وهي ربما جنوح الى سلخ الذات ولا يتفوق علينا بذلك الا مئات الملايين من فقراء الهنود الذين يحركون آلة السينما العملاقة بالهند متفرجين بادمان وغياب على قصص محزنة لأثرياء وسيمين تنفجر الصحة من اجسادهم المليئة. فالكوميديا مهمة شاقة يتضاعف فيها الجهد لجرجرة الذات الميالة للمأساة الى زرع فكرة باسمة تشرق في ادغال مظلمة من ضغوط الواقع وحقائق الحياة..