السايكلون

سنة النشر : 23/07/1992 الصحيفة : عكاظ


يستغرق البروفيسور « ناصف علي في شرحه لاحدى نظريات تطبيقات الفيزياء النووية فى هذه الجامعة التي تعد من نخبة الصروح الأكاديمية فى العالم.. يدير عينيه الضيقتين تساعدهما عدستا نظارته المستندة على انفه الضخم بالنسبة الى حجم رأسه الصغير ، وجسمه الضئيل حول وجوه طلبته الشابة.. قوى البشرة البيضاء والداكنة.. وانتباههم المشدود حول ما يقوله من معلومات مسترخين بتلقائية على مقاعدهم.

عندما ينتهى البروفيسور ناصف على من المحاضرة- يتجمهر حوله طلابه للاستفسار عن المسائل التي استغلق عليهم فهمها في درسه ، وعندما يشتد عليه حجم النقاش ومحاولة التفسير يعدهم بأن يكرس لهم وقتا تطبيقيا في المعمل الكبير الذي يتبع مجلس بحوث الفيزياء النووية في الكلية هنا المعمل الذى يحترمه البروفيسور ناصف ويجله كثيرا ، فلقد ساعدته الاجهزة المبالغة التطور فيه من اعداد طروحاته العلمية المتعددة مما اهله لكرسي الاستاذية في هذه الجامعة العريقة الشامخة.

يزيح البروفيسور ناصف على صدر الطالب الطويل يشق له منفذا للخروج وعلى عتبات السلم المترامي الفسيح ينظر امامه الى الارض الخضراء الرحبة المنمقة ، يبتسم من غير ان تنفرج..شفتاه يعيد وضع نظارته يحضن ملف اوراقه تحت ابطه ، ويسرع الى سيارته العائلية الفان في الموقف المخصص لاساتذة الكلية... عندما ينتظر البروفيسور ناصف خروج طفليه زاكر وممتاز من مدرستهما الجميلة المبنية من الأجر الأحمر ضمن بوتقة من الأطفال يجرون بمرح على الأرصفة اللامعة الواضحة الخطوط والمسارات ، فانه عادة يفتح الجريدة اليومية ليقرأ الاخبار. وبالذات ما يجرى في بلد بعيد...... يصل بيته.. يدخل سيارته المرآب.. وينطلق الطفلان داخل المنزل الجميل.. والدكتورة فاطمة زوجته اخصائية القلب تعد نفسها للخروج المباشرة اعمال عيادتها الخارجية في مستشفى المدينة الذي وصلت شهرته اطراف العالم.. يسترخي امام التليفزيون ، حوله الطفلان..

وتأتى اخبار اعصار السايكلون يجتاح ذلك البلد البعيد.. يسألـه طفله زاکر دادی ، ماهو السايكلون.. ويجيبه انه اعصار عصبي مدمر يضرب بنغلاديش.. يرد الطفل وهو يقلب كتابه المصور ماهي بنغلاديش دادي يضع البرفيسور نظارته جانبا ، وتخرج منه زفرة عميقة.. هل اغرورقت عيناه ؟! لقد تذكر ان الوقت لم يسعه ليشرح لطفليه عن بلدهما الاصلى".. يتطلع الى البيانات العملاقة في الطرف الآخر للنهر. وتختلط في الرؤى تهاويم نحلات جوز الهند... تجتاحه ذكريات جارفة.. مدد اللازى تشير.. واغفى جفنيه...

نجيب عبد الرحمن الزامل