السودان .. وسراج .. والذهب

سنة النشر : 13/02/2000 الصحيفة : عكاظ

 
.. كان هذا البلد يكون "اليوتوبيا"، على الأرض.. وكاد هذا البلد يكون بلاد الحليب والعسل.. وكاد هذا البلد يكون أثرى بلاد الله من ثروة الله التي يغدقها على بلاد الله.. وكاد.. و كاد... أن تجعل هذا البلد فقيرا، جائعاً، متخاصما كسيرا لهو- والله أمر يحتاج إلى مهارات فوق الطبيعة.. فوق العادة هذا البلد الذي امتلأ بأجمل العقول البشرية.. أخرج أيضا نوعا من الناس مطروا إبداعا في الإطاحة بهذا البلد الذي تؤمله ، موقعه ونزواته ، وخصوبة أراضيه وقرامي حدوده. وتنوع أقاليمه أن يكون فردوسا على هذه الأرض.. وخوفي أن يحول سعيرا ينضم إلى عالم مليء بالنيران.. والشرر.. دعني أقول لك وبفخر أن أكثر معلم أثر في تكويني، وفي بناء شخصيتي.. وكشف لي غطاء اللغة.. كان أستاذا نادرا من السودان من أم درمان تحديدا... ولا يمكن أن تنام مخيلتي بدون طيف الأستاذ سراج ينبع من أيام الطفولة... والعقل ذو حدين- لأنه بلا جدال تابع أسير للوجدان فإن أراد الوجدان خيرا ، أو أضمر شراء فسيطبع العقل بالحالتين. الترابي عقل كبير.. ولكن أحلامه كانت أكبر.. وغطى الطموح الأمل.. الطموح خادم الذات المنفردة.. والأمل هدف الأمة جمعاء.. ثقته في عقله أوقعته في خطا أعظم من أخطاء تصوراته. وزرع وجدانه مهما لا يهدأ في عقله.. بأنه المصلح المنتظر..
 
خانه غرقه في هذه البرانويا و العظمة الذاتية ، التي تجعله مقتنعا بأن أحدا لن يجرؤ حتى في التفكير في عصيان توجيهاته.. ناهيك عن أو أمره!.. نسي أن البشير رجل عسكري.. أي رجل من المواقع.. هؤلاء الملتصقون بأرض الواقع لا يتواصلون مع الحالمين.. وإن تواصلوا فلن يتابعوا.. وهذا ما كان انفصال أكيد ومتوقع بين الواقع الكبير والحلم الكبير.
 
وحده سوار الذهب ترفع في لحظة عظيمة من لحظات الإنسانية عن شهوة السلطة.. أعظم الشهوات على الأرض ويا أستاذ ، سراج... أتعلم ما هو عيب الذهب ؟
 
ندرته...............