أعظم رحلة في التاريخ (2-2)

سنة النشر : 26/03/1996 الصحيفة : عكاظ

 
تحدثنا في الحلقة الماضية عن دخول ماجلان بسفينه الثلاث الصغيرة المنهكة عرض الأوقيانوس الهادي ، ولم يكن أمامهم وحولهم سوى المياه الشاسعة وسجل النبيل الايطالي بيجافيتا الوصف الدراماتيكي المؤلم للبحارة البؤساء الذين اعياهم الجوع والعطش ، وفتك بهم مرض ( الاسقربوط) عدو البحارة المريع أنذاك. ولنعد مرة أخرى إلى مذكرات بيجافيتا الدقيقة التصوير كتب وخلال هذه الثلاثة أشهر وعشرين يوما ابحرنا بدون عوائق قطعنا بها أربعة آلاف فرسخ عبر البحر الهاديء والذي فعلا يستحق هذا الاسم فخلال هذه المدة لم تعترضنا أي عواصف ولم تقع أعيننا على جزر أو يابسة ما غدا جزيرتين غير ماهولتين حيث لم نجد سوى الطيور والأشجار ولذا فقد أطلقنا عليها جزر الطالع السبيء ، ولو لم تسعفنا العناية الالهية لكنا ضعنا في هذا البحر العظيم... والذي حدث بعد ذلك الماجلان ورجاله جعله ربما يندم على عبوره ذلك العمر (مضيق ماجلان الذي اكتشفه جنوب القارة الأمريكية الجنوبية) فلولا بعض السمك المتقافز على سطح الماء مع اقلاع بحري عادي واصطياد بعض سمك التونة بين حين وآخر لما تمكنت هذه الانفس الرئة من الوصول أحياء ومرت عليهم الأيام بعد الايام والطقس موادع وكانت الرياح التجارية تدفع السفن الصغيرة قدما ، ولقد حوى الأفق الواسع ما كان يبدو آخر ثلاث سفن على الارض.. وكما سجل ( بيجافيتا فبعض البحارة لم يأكلوا الفئران علي السفن فحسب بل أنهم قطعوا سفر الطعام الجلدية من أجل الأكل.
 
 وقبل الأمطار لم يكن لهم سوى شرب المياه النتنة وكان البحار منهم يسد انفه وهو يجرع رشفة الماء من قوة الرائحة الفاسدة. وبعد مائة يوم من الابحار الهاديء صار البحارة من الهزال بحيث كان ما يعمله شخصان صار يحتاج الى ثمانية لتنفيذ ذات العمل.. الا انه أهل عليهم يوم عظيم عندما وصلوا إلى جزيرة جيدة وغنية بجوز الهند وقصب السكر والموز والسمك السمين كان ذلك اليوم التاسع والتسعين منذ عبروا مضيق ماجلان هذه الجزيرة هي جزيرة غوام.. ولقد جاءت فاكهة الجزيرة حقا في الوقت المناسب لانقاذ اولئك البحارة المقبلين على الهلاك.. وهذا يدل على كفاءة ماجلان المذهلة. في المعرفة البحرية وقدرات صارمة على القيادة. وربما بلغ الندم في ماجلان مبلغا غائراً لعدم اتخاذه للمسار المعروف غير الرجاء الصالح لجزر البهار فقد كانت أسهل وأقرب من رحلته هذه التي كل ما وجد فيها محيطا شاسعا لم يصل اليه اي اوروبي قبله.. على كل في تلك الجزيرة استولى اهلها على قارب من أحدى سفن ماجلان لذا اطلق عليها اسم جزيرة اللصوص على أن هذا لم يمر بدون عقاب فقد فتح عليهم نيران المدافع.. رغم أن أهل الجزيرة لم يقصدوا السرقة بالمعنى المعروف. وبعد أن تمون ماجلان بالماء العذب والفاكية اقلع بقافلته باتجاه الغرب ولقد قادته المشيئة الالهية عبر أمنية في المحيط الهادى تدفع الرياح التجارية الشمالية الشرقية الشرعة سفنه بانسياب عبر العباب وبعد أسبوع من الابصار الهادىء انشق الأفق عن جزر الفلبين ، وكان اول اوروبي تقع عيناه على هذه الجزر واستقبله سكان الجزيرة بلا وجل بقواربهم الصغيرة مع هدايا من الدوز وجوز الهند.. واستقل زعيمهم سفينة ماجلان وأهداه تضيبا من الذهب وسلة مليئة بالزنجبيل الطازج.. وهنا أدرك ماجلان أنه وصل أحدى جزر البهار فارتفعت معنوياته ..
 
على ان المفارقة قادته إلى حتفه هناك ويروي لنا بيجافينا القصة... لقد رفض زعيم الجزيرة ( ماكانان الان) والمدعو سي لابو لابو الخضوع لملك أسبانيا كما طلب منه القبطان ماجلان. فقرر ماجلان الابحار بأحدى سفنه لمقاتلة هذا الزعيم.. وهناك لم يبدا ماجلان القتال الا بعد ان كرر طلبه بالخضوع لملك اسبانيا على الزعيم ( سي) لابو لابو).. واجابوا بأنهم جاهزون برماح النصب المحماة بالنار... عندما ها جمناهم أنهالوا علينا بثلاث أجنحة مكونة من أكثر من الف وخمسين مقاتلا وهم كانوا ستين رجلا فقط) وضع المكان بصرخاتهم.. وكانت أسلحتنا تمر بصعوبة عبر دروعهم الخشبية.. وانهالت علينا إسهمهم كالمطر ومعها رماح القصب المسننة بالحديد ولم نعد نستطيع الدفاع عن انفسنا وأصاب سهم مسموم ساق القبطان ( ماجلان). وأمرنا بالتراجع والنجاة بأرواحنا وبقي صامدا وحيدا خائضا و مقاوما في المياه.. حتى ضاعت جثته في ماء المحيط الى الأبد.... وحتى الآن لم يذكر ماجلان بما يستحق لا في اسبانيا ولا في البرتغال ولكن عبر رحلته وبعد نظره وجلده الأسطوري تمكن من اضافة محيط هائل بجزره وأرخبيلاته أمام المعرفة الأوروبية.. أن أحدا لا يعلم اين ترقد عظام مساجلان ولكن نتائج رحلته باقية معنا للأبد... يقول" بيجافيتا. انني اعتقد أن أحدا لن يجرؤ أن يقوم بهذه الرحلة مرة اخرى مطلقاء.