تاريخه العقلي
سنة النشر : 27/02/1996
الصحيفة : عكاظ
ربما ثبت الآن أن النظرية الاشتراكية قد فقدت قلعتها العظمى بسقوط الامبراطورية السوفيتية التي قامت ايديولوجيتها على الفكر الماركسي.. ولكن مازالت بعض الحصون مترامية في اركان الكرة الارضية تحرق البخور الشيوعي في التيه الزمني للاشتراكية.. إلا أن قافلة الفكر الانساني عبر التاريخ لابد ان تضع علامة ولو لم تكن مضيئة لتسجيل النظرية الاشتراكية على الاقل من الناحية العلمية الفلسفية الصرفة واسمع واقرأ كثيرا عن خلط للمفهوم الفلسفي للاشتراكية ومنشئها التاريخي والتأثر الفكري المباشر وغير المباشر لكارل ماركس وانجاز ضمن مسيرة الفلسفة الالمانية الكبرى وتأثير الفلاسفة الالمان العظام فكارل ماركس وزميله لم يكونا وراء اختراع النظرية الاشتراكية كفلسفة منهجية أو باتجاهات عقائدية كما سمعت مؤخرا في برنامج اذاعي. كما ان أيا منهما لم يخرج بالنظرية بصفة استقلالية كما قرأت لأحد المفكرين انها مثل أي تطور تاريخي لأي فكرة بدأت ونمت وامتزجت وتأثرت بتيارات فكرية مختلفة حتى ظهرت بصورتها الجدلية العادية التاريخية. عند كارل ماركس المفكر الالماني من أصول يهودية واطلق عليها الاشتراكية العلمية تفريقا عن المذاهب الاشتراكية الأخرى التي تسمى الاشتراكية الخيالية وساستعرض هنا التداخلات الفكرية بين كارل ماركس والفيلسوف الألماني المنارة في بحر الفلسفة الآرية مجورج هيجل ، وبين أحمد معاصريه ، بعيدا عن انجاز ».
يعتبر الكثيرون أن كارل ماركس هو فيلسوف الشيوعية. المحاصرة الذي عمل على نشرها والدعوة لها في كتابه المنشور الشيوعي ، ثم اخرج كتابه الآخر الذي صار دستور الايديولوجية الشيوعية ( رأس المال) كما اسس المؤتمر الاشتراكي العالمي في أواسط القرن التاسع عشر ١٨٦٤ م.. ولقد كان كارل ماركس متتبعا للفلسفة الالمانية ومتعمقا في الفكر الهيجلي... فهيجل قد كان احب فلسفة مثالية حيث كتب في الاخلاق والجمال والدين، وكانت فلسفته مثالية مطلقة ، ولكنها تؤدي في محصلتها العليا بالمجتمع: بع نحو الملكية العامة، ثم تنشأ فكرة الدولة التي تسمو على الأفراد والتي يتجسد فيها المطلق ، وعلى انبعاثات المفهوم الهيجلي قام المنطق الجدلي عند كارل ماركس وان كانت العدالة والمساواة الطبقية عند كارل ماركس تسود عندما يبرز المجتمع تلقائيا اللاطبقي) وتزول الحاجة الى الدولة التي تنتهي تا نقيضا للمحصلة الهيجلية) ولكن جدلية الصراع نشات اساسا عند هيجل في تصوره ان للكون روحا تتبدى في مراحل تطورية الياتها المنطق الجدني وترتكز على أن الفكرة تولد نقيضها ، ومن تفاعل النقيضين تنتج فكرة جديدة تؤلف بينهما.. وهذه الفكرة الجديدة تأخذ نفس السيرة السابقة.. وهكذا.. فمثلا فكرة الوجود تولد فكرة العدم ومن تمازجهما تظهر فكرة الصيرورة.
أن ظهور الاشتراكية الماركسية يعطيك طابعا ساطعا عن صراع الطبقات في أواخر القرن التاسع عشر. وكانت افکار کارل ماركس تابعة من خلفيات تاريخية منذ العصرين الاغريقي واليوناني وربما كان هناك تبادل واعجاب في الافكار والمناحي الفلسفية بينه وبين معاصرة الفيلسوف الدانماركي الاشهر كير كجارده وبالذات من منطلقاتهما التاريخية.. فعندما ذهب كير کجارد الى برلين في اربعينيات القرن التاسع عشر يعتقد انه شارك ماركس في الجلوس بمحاضرات الفيلسوف تشينج.. في تلك الاثناء كان كير كجارد قد كتب أطروحة تعتبر تحفة فكرية عن سقراط. في نفس الوقت كان كارل ماركس أعد اطروحة الدكتوراه من ديموقراطيس وأبيقور.. بمعنى آخر ان الاثنين كتبا في أن عن العادية التاريخية ، وهكذا وضعا ركائز فلسفتهما. ويتردد الكثيرون القول بعدم توافق فكري الرجلين بحجة ان كارل ماركس انتهى ماديا. بينما انتهي كير کیجارد وجوديا ولكن التحلل ذلك من خلال منشا هما الفكري كل من ماركس وكير كبارد فهل من النبع الهيجلي بطريقته الخاصة ، وكلاهما تاثر بوضوح بالمنهج العقلي لهيجل.. مع ان كليهما رفض فكرة الروح الكونية لدى هيجل كما رفضا مثاليته.. أن الاستشراف الفلسفي المنسق انتهى مع هيجل.. فيعده اتخذت الفلسفة مسارا جديدا.. فبعد النسق التأملي السامق ظهرت الفلسفة الوجودية.. أو فلسفة الفعل وهنا بدأت الاهداف الذرائعية وبالذات عند كارل ماركس وفقدت الفلسفة طهارتها الفكرية المثالية المجردة والتي كانت غاية في الاشراق عند هيجل. فالفكر الماركسي كان خليطا من الاهداف العملية والأغراض السياسية.
كما انه لم يكن فيلسوفا خالصا بل ايضا مؤرخ.. وعالم اجتماعي.. واقتصادي. ولقد كان متقدما عبر كل هذه المضامير لذا اختلف. مع نفسه وخرج هو عن منهاجه... اتعلم شيئا ؟ يقال ان كارل ماركس خرج عن الماركسية بعد تشيئه بالافكار والوسائل العملية في الفصول الاخيرة من حياته ، بل يسجل المؤرخون ويثبتون بان زميله ( فريدريتش) انجلز) ومنذ البداية ساهم في الدعوة والتبشير لما عرف فيما بعد بالماركسية