زهرة الجاردينيا البيضاء
سنة النشر : 14/11/1995
الصحيفة : عكاظ
خطأ؟ لا، إنه ليس خطأ أحد.
إن وسط الدراما الحياتية التي تعج بها الأرض تشرق بينها ومضات وتجارب انسانية تعطي للحياة جوانبها الجميلة وتنثر لمساتها الرقيقة هذا وهناك.. هذه الومضات هي حكايات لافراد عاشوا لحظات رسخلت في قلوبهم ، وصاعت ارواحهم... ووضعت نظرتهم للحياة امام مفترق طرق مفروشة- بجمال خلاب وأمال أخاذة ، واعادة تشكيل لسلوكيات تزخرفها مبادرة لحب الناس.. ومشاركة. كل المخلوقات بترنيمة الحياة السعدية بتناغم وبانسجام.. ولقد اخترت لكم واحدة من هذه الحكايات الصغيرة التي ترتمي كيفسايسا الازاهر الصغيرة لتوقظنا في ممرات غيبوباتنا اليومية. واحدة من التجارب الانيقة التي يبعث بها قراء « الدايجست » لتنشر في هذه المجلة الصغيرة التي تملأ الأرض بمعظم اللغات كل شهر. اترجمها لكم يتصرف لمحدودية المكان ولتفاوت المغزى والأهمية وهي لكاتبة أمريكية تدعى مارشا. و بعنوان « لغز زهرة الجاردينيا البيضاء.... وإليكم الحكاية
منذ أن أشرفت على عامي الثاني عشر صرت اتلقى هدية سنوية في كل اعياد ميلادي عبارة عن زهرة جاردينيا بيضاء تصل الى عتبة منزلنا.. كانت هدية مغفلة غير مصحوبة باي بطاقة او ملاحظة تدل على باعثها.. كانت عمليات الاتصال المشابرة. المعرفة المرسل من بائع الزهور تذهب ادراج | الرياح. فقد كان المرسل حريصا على اخفاء شخصيته ودفع القيمة الداً. ومع الأيام توقفت عن عمليات البحث عن شخصية المرسل المجهول وانقدت وراء الاشاعير البهيجة التي يتركها جمال هذه الوردة يسبقها عطرها الشدى مغلقة دوما بالورق الوردي الشاحب المفعم بالنعومة.. نعم لقد توقفت منذ زمن الجهود المضنية لمعرفة مرسل الجاردينيا.. ولكني لم اتوقف ابدأ عن رهافة التحليق بالخيال حول هذا الانسان المجهول المانح الكريم.. كانت هذه الأويقات الحالمة اجمل اللحظات.. أحلام في اليقظة عن المريء رائع وذي اند قاعات مثيرة ولكن يغمره الخجل والحياء.. وعن أطواره الغريبة التي تجعله ورغم مرور السنين مصرا على ستر شخصيته.. ولطالما شاركتني امي في هذه التصورات طارحة علي الاسئلة وتحت ذاكرتي لاستعادة ما فعلته من خير للآخرين.. أو مواقف عون وشهامة لأفراد كانوا يحتاجونها.. ومن جهتي كانت ترفعني نفخات تجعلني احس بأنني شخصية تستحق الاعجاب واني بي. صفات التميز والتفوق.. وهي التي جذبت شعور هذا الانسان للتعبير والتقدير بواسطة الجاردينيا البيضاء.. ولقد مررت وأنا في السابعة عشرة من عمري بتجربة سحقت فؤادي.. يومها تركت لي أمي ملاحظة على مرآة زينتي تقول عندما تولى الاشياء النصف جيدة.. تأتي بعدها الاشياء الجيدة، اخذت هذه الملاحظة تكبر مع تجاربي وتترسخ مع الوقت.. وحينما مسحتها من الحرأة بعد زمن ادركت والدتي انني قد تجاوزت محنتي باقتدار انني لا اذكر ابدا انني تجرأت على أمي او صرخت بوجهها قائلة « بانك لا تفهمين لسبب بسيط وأساسي.. فهي كانت متفهمة على الدوام.. وقبل تخرجي من مدرستي الثانوية توفي والدى بالسكتة القلبية ، وتراوح شعوري بين الحزن العميق والاحساس بانني وحيدة مهجورة وعصرني الخوف وثار في اعساقي غضب عنيف.. إن ابي لن يحضر اهم مناسبات حياتي.. لذا فقد فقدت الاهتمام كلية بالاستعداد لحفل تخرجي الآتي.. فلقد كنت اتسوق مع والدتي قبل وفاته بيوم واحد لشراء زي مناسب لحفل التخرج.. ولقد عثرنا على زي فائق الروعة وطلبنا اعداده ليوافق مقاسي.. الا انه بعد رحيل والدي نسيت كل شيء عن ذلك الزي الا ان امي- رغم أساها- لم تنس.
فعندما حل يسوم التخرج وجدت ذلك الزي المذهل مطروحا بساحرية فخمة على كرسي في غرفة المعيشة.. ولم يكتف بجلبه لي بصندوق مغلف بل قدم لي بمشهد جليل مليء بالفن والذوق.. مفعم بالحب المعبر.. نعم لم أكن لأكترث بذلك الزي.. ولكن أمي هي التي فعلت لقد ارادت أمي لابنائها أن يحسوا بالحب تجاه الآخرين ، والأهم أن يحسوا بانهم محبوبون ارادتهم مبدعين.. كما ارادتهم بخيال قوى خصب متشربين باعتقاد واحساس بأن هناك عالماً سحريا مترفا وجميلاً حتى في اوجه الشدائد والمحن.. في الحقيقة أرادت أمي أن يكسون ابناؤها كزهرة الجاردينيا.. محبوبة قوية وكاملة وحولها هالة من السحر وربما شيء من الغموض!
لقد ماتت أمي بعد عشرة أيام من زواجي.. كنت في الثانية والعشرين وهي السنة التي توقفت فيها زهرة الجاردينيا البيضاء عن المجيء!