(بنين).. تُبنى من جديد
سنة النشر : 07/11/1995
الصحيفة : عكاظ
ان العالم يمر الآن باحد التحولات الكبرى التي يرصدها عادة مؤرخو الاقتصاد وهي الدورات الاقتصادية التاريخية التي قدرها بعضهم بدورة كل ستين عاماً وتؤكد بعض التجارب في الماضي منحى هذه النظرية وإن كان من الصعب التسليم بحقيقتها كنظرية أو ظاهرة علمية.. وتطرقت هنا أكثر من مرة الى الاقتصاديات العالمية والى المعالم والأحداث ذات الدلالة التي تعيد مسارات التوجه والفكر الاقتصادي عالميا كان أو اقليميا.. كما تعودنا في الأونة الأخيرة التحدث عن التجارب الدولية في النهوض والاصلاح الاقتصاديين لذا كان داب الحديث عادة عن التكوينات الاقتصادية الكبرى القارية وشبه القارية وتلك العابرة القارات.. وعندما نتحدث عن الازدهار والتطور والتغييرات الايجابية عموما فاننا نولي اهتمامنا شطر دول حوض الباسيفيك بنمورها المتوثبة ونشاطها الغامر..
والاعتقاد العام أن باقي دول العالم وبالذات الآسيوية والافريقية تجري في مواقعها أو تغط بمشاكلها ومآسيها في هوامش خارج الزمن وللأسف العميق ان في هذا الاعتقاد الكثير من الدلائل التي تثبت واقعيته في المسرح العالمي الخلفي بصوره البائسة و المزرية من الفقر والمرض والحروب واعدار الآدمية.. ولكننا أيضا يجب ان تكون أكثر بصيرة وابعد بصراً وأن تكون عقولنا وأمانينا مفتوحة للتامل والرصد المجبول مع التفاؤل وتسجيل الانجازات ولو تلك الصغيرة التي تحدث في أي ركن من أركان الكوكب ولو كان نسائيا قصيسا، من منا يعتقد أن روحا تتب للحياة وتشر لب للمستقبل المضيء في ركام وأكوام المعاناة الافريقية تلك القارة التي أبترت حتى العظم بل ونخر العظم ذاته من قبل الحروب الاستعمارية الى الخراب المقوض بيد ابنائها من حكام الطمع والشهوة والفساد والايدلوجيات المخفوقة. بل من سمع بجمهورية «بنين»؟ هذا البلد « بنين »- والذي يقع في طرف القارة الصاعد للشمال من افريقيا الغربية- يعيش الآن احياء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا يبعث على أقله على التسجيل والاشادة وهذا كان حديث الصحافة الاقتصادية الدولية مؤخرا.. بنين هذه الجمهورية الصغيرة التي لا يربو عدد سكانها عن الخمسة ملايين نسمة كانت تعيش قبل خمس سنوات فقط الظاهرة الأفريقية المتفشية من الفقر والحروب والنزاعات الأهلية.. كانت مجتمعا يطل على حافة انهيار ساحق... مصارفها جميعها الفلست وصارت بلقعا يخلو من رنين أي عملة كانت موظفو الدولة مضى عليهم أكثر من سنتين لم يتسلموا فيهما مرتباتهم.. بل لم تكن هناك حتى ميزانية ؟! وكان هم رئيسها الشديد الانتماء للماركسية لمنع الهيجان الشعبي العام.. هكذا كانت الحالية آنذاك.
بلدا ممزقا.. مريضا ينتظر النهاية.. ويتعداه الموت.. إلا ان هذا البلد الذي كان تحكمه لفترة من الزمن كأنها الدهر حكومة من أشد الحكومات الافريقية في خطها الماركسي تعيش فترة إعادة توجه يبدو أن لا عودة عنها.. فقد انعقد مؤتمر شعبي عام في سنة ۱۹۸۹ بعد خروج بنين من تمزقها الداخلي كان باعثا لفترة جديدة قادمة.. فقد نحي اولا الرئيس المتصلب وحلت حكومة تكنوقراطية جديدة تولت الملاحة في هذا البحر المضطرب.. وسجلت بنين أول تجربة ايجابية في القارة بإبعاد الكابوس الدكتاتوري الى حياة سياسية عملية ، وبدأت عمليات الاصلاح العالمية والمخلصة مباشرة بعد انتخاب الرئيس الجديد سوجلو والذي كان موظفا ناجحا وكبيرا في البنك الدولي فقد تمكن مع حکومته في التكنوقراط وبدعم معنوي ومادي من الغرب من أشعال المحرك في العربة التي اهترات من الصدا.. وعمت موجة من الاستقرار التصاعد في الأداء الاقتصادي وامتلات خزائن البنوك بحيث فاضت سيولتها النقدية عن مستوى القراضها. وبدا الدفع المنتظم للأجور والرواتب.. وسادت المصارحة وعمت الشفافية بعد الكتمان والتعمية ومنار معتادا خروج المسئولين في وسائل الاعلام لطرح و نقاش المشاكل والصعاب والافصاح عن وضع البلد المالي.. وهناك ظاهرة أود الاشارة اليها في هذا السياق ظاهرة تذكرني بالاسطورة القديمة عن النساء الأمازونيات اللائي حكمن مجتمعا نسائيا خالصا محاربا وشديد الباس. فالحكومة الماركسية السابقة اعطت المرأة في بنين حرية للحركة والمتاجرة والنباهة الاجتماعية اضعاف ما سمحت للمرجل ربما لان المرأة لا تشكل تهديدا سياسيا.. فتجد الآن أن معظم الثروة والتجارة مع النساء من يدرن معظم الأعمال ويضعن يدهن على معظم الممتلكات العقارية والكثير منهن لهن أعمال واسعة في أوروبا.. ويقال أن نصف الأرصدة في مصارف بنين تخص النساء « هذه ليست- أبدا.. دعوة للارتباط بهن ؟! ولبنين مشاكلها فهي جار ضئيل لنيجيريا الضخمة ذات المشاكل الكبيرة وتؤثر على الجارة الصغيرة.. ومائة الف لاجىء من « توجوه المجاورة البائسة.. وغيرها.. ولكن بنين بدأت طريق النهوض بنية اللاعودة للايام الرهيبة.