حول (الهادي) في عشرة أيام (2-2)
سنة النشر : 15/08/1995
الصحيفة : عكاظ
في الحلقة الماضية تحدثنا عن المصاعب التي تعاني منها النمور المتقافزة في جنوب شرق القارة الاسيوية والمصاحبة لمعدلات النمو الشاهقة التي لم ير العالم لها مثيلا: ووجهنا الكاشفات الضوئية على العراقيل التي صاحبت التقدم الطموح في الفلبين واختيار كمبوديا كمراقب.
ونتابع اليوم الاحداث الجارية في المنطقة والتي دعوت اكثر من مرة لتولية الاهتمام شطرها ومعرفة المزيد من مجمل أوضاعها ونحن نستشرف القرن الحادي والعشرين الذي يبدو انه سيكون قرنا تلعب فيه دول الباسفيك الادوار الكبرى وبالذات في ميادين الاقتصاد. هونغ كونغ عندما تزور هونغ كونغ فلابد ان تضع مؤشرات السرعة لديك فى حدها الأقصى فالحياة هناك ذات ايقاع سريع فوق العادة والمدينة كلها تجري وفي كل الاتجاهات والحركة في كل الميادين لانهدا طوال اليوم وتدار المدينة من المطاعم الى الخدمات المدنية والصناعات المالية بالشبكات الطرفية المتناثرة- كفصص الخيال العلمي- في كل زوايا وأطراف المدينة أن هونغ كونغ- يخال لك- مدينة تختصر العالم.. ولكن تنام المدينة وتصحى ان كانت تنام اساسا على هاجس مقلق عظيم. وبات هذا الهاجس قريبا من الواقع.. فالصينيون الكبار في البر الأسيوي يفركرن الايادي بغبطة كبيرة استعدادا لتسليم الجزيرة في أواسط العالم ١٩٩٧ م ليرحل العلم البريطاني الذي رفرف على هذه البقعة الديناميكية القوارة قرابة القرن اعلنت بعض الصحف والمجلات الاقتصادية الحداد ومنذ الآن على الجزيرة متوقعين لها الاختناق حتى الموت في القبضة الصينية الماردة.. ولا أحد يمكن أن يتنبأ عن مصير هذه المدينة في الحقيقة فالصين مازالت تعلن على رؤوس الاشهاد في العالم بأنها ستحافظ على طبيعة الأداء في هونغ كرنغ وستجعلها مستقلة تماما بقوانينها وطبيعة اقتصادها عن بقية المقاطعات الصينية وبتفاءل حاكم هونغ كونغ ( كريس) باتن) بأن التخوفات العالمية في غير محلها بعد الاتفاقات البريطانية الصينية ضمن مناقشات طويلة ابتدأت عام ١٩٨٤ م وكرست بوعد من الصين بالحفاظ على النظام الاقتصادي وقوانين الحكم القائمة الآن في هونغ كونغ. ولو اثر المجلس التشريعي فى نهاية هذا الشهر المحكمة العليا للاستئناف التي ستقيمها الصين لتكون محل الهيئة اللندنية والتي تعتبر المحكمة العليا للاستئناف الان في هونغ كونغ ستبقى تؤدى دورها حتى الأول من شهر يوليو ( ۱۹۹۷) فان هذا يعتبر ضمانة كافية لاستمرار الحياة على نسقها الطبيعي في الجزيرة.. والواقع أن الجزيرة ماضية في تقدمها ونموماً غير عابئة بما خبىء لها وراء ستر المستقبل القريب عندما ترجع لاحضان الام التي لا نعلم ان كانت ستحافظ على هذه الدجاجة التي تبيض ذهبا وصكوكا سالية ام تنيش احشاءها حتى الموت.. فالمدينة حققت و باطراد نموا حقيقيا بواقع% ٥٥% لعام ١٩٩٥ واحتياطاتها من النقد الاجنبي قارب الخمسين بليون دولارا أمريكيا وهو اكبر معدل للفرد في العالم بعد سنغافورة وزادت صادراتها المحلية في الاشهر الخمسة الماضية من هذا العام بمعدل ١٠ ٪ عن ذات الفترة للعام ١٩٩٤.. الا ان بعض المراقبين الاقتصاديين لا يعتقدون كامل الحقيقة في رأي حاكم المستعمرة فهم يعتقدون أن هونغ كونغ ستبقى فعلا كما قال الحاكم مدينة تحقق معدلات ربحية كبيرة بكونها بوابة كبيرة لنمو المناطق الصينية الجنوبية السريعة النمو. ولكن ستفقد دورها كمركز حيوي عالمي نشط للمال والنجارة لان الاتفاقيات البريطانية الصينية لتأسيس محكمة عليا للاستئناف مليئة بالهنات والثقوب والتي مازالت تبعث القلق في قلوب المشرعين في هونغ كونغ.
التوتر الذي تبعثه الصين في بحر الصين الجنوبي لقد وضع مندوبو الآسيان أيديهم على قلوبهم وتنفسوا الصعداء بعد ان ودعوا وزير الخارجية الصيني ( كيان كي شن) والذي التقى بهم مؤخرا بدار السلام في بروناي بتصريحات مرنة حول المشاكل والتوتر السائد في بحر الصين الجنوبي.. كما أجرى محادثات يعتقد أنها ايجابية مع نظيره الامريكي ( وارن) كريستوفر) بعد هبوط علاقاتهما الى قاع السفح عندما قبلت الولايات المتحدة زيارة الرئيس التايواني ( لي) لها ولاعتقال الحكومة الصينية لداعية الحقوق الانسانية الامريكي الصيني ( هاري وو). ( W00) ولكن سيناريو الاحداث وشواهد الامور لاتنبيء عن براءة صينية ابدا.. فقد قامت الصين مؤخرا بعرض مدهش لعضلاتها أمام جاراتها وذلك باجراء اختباراتها النووية تحت الأرض وبناء تواجد عسكري واضح في ارخبيل سبارتليز ( SPRATLYS) المتنازع عليه ( تدعى السيادة على الارخبيل كل من الفلبين فيتنام ماليزيا وبروناي فضلا عن الصين بالطبع وزاد من روع هذه الدول عندما قامت الصين بتجربة اطلاق سنة صواريخ غير محملة بالذخيرة) على بعد مائة وخمسين ميلا شمال تایوان ( ؟!).. ويظن المراقبون أن هذه الصواريخ رسالة صريحة من الصين للرئيس التايواني ضد حملته العالمية الاخيرة للاعتراف بتايوان.. ومازالت الصين وبعناد ترفض التفاوض مع دول الآسيان حول الوضع في جزر سبارتليز مدعية السيادة على كل الأرخبيل.. المنطقة غنية بالنفط!!... فيبدو أن هذه المنطقة البركانية من العالم مازالت تتفجر داخلها الحمم رغم وداعة الجمال الباسفيكي الخارجي الأخاذ..
ميتسوبيشي العملاق المتناقل هل تصدقون أن شركة في العالم تسجل ايرادا سنويا يفوق المائة والخمسة والسبعين مليار دولار أي ما يفوق ميزانيات عدة دول نامية مجتمعة).. لقد تصدرت شركة ميتسوبيشي قائمة مجلة فورتشن ( FORTUNE) لاكبر خمسمائة شركة في العالم.. لكن هذا المارد يعانى من تكاليف انفاق عالية فبرغم الايراد الخرافي الا ان الارباح مضحكة اذا قيست بحجم الايراد لم تتعد الارباح ۲۱۹ مليونا فقط أن ميتسوبيشي الاسطورة والتي تحرك أكثر من مائة الف منتج من اللفائف الصغيرة الى محطات الطاقة الهائلة حول العالم والتي تنتشر ملكياتها عبر القارات ( حقول ومزارع لتربية مئات الآف من الابقار في استراليا ، مصانع لب الورق ومناجم خام الحديد في كندا مناجم النحاس في تشيلي ، والمناجع في هاواي وحقول الغاز المسيل في بروناي.. وغيرها.. تسجل ( فضيحة) ربحية بمعدل ( ۰.۱۳%) ( الايراد مائة وسبعة وستون بليونا مقابل ربح مائتين وتسعة عشر مليونا من الدولارات).. والشركات الجبارة الاخرى في اليابان تعاني من هذا الترهل الحجمي فشركة سوني حققت أعلى معدل من الخسائر برقم مخيف يصل الى ثلاثة بلايين دولار ( خسارة صافية) وبنك سوميتومو اكبر بنك على الكوكب نافس سوني بخسارة محققة قاربت نفس الرقم الا قليلا. ان الشركات الماردة اليابانية كما تصورها مجلة فورتشن وحوش هائلة الابدان تجر نفسها عبر الوصول التي ربما قد تغرق فيها.. ولكن اليابانيين قوم لا يفتقرون الى ابتكار الحلول وايجاد السبل المفاجأة العالم من جديد