حول (الهادي) في عشرة أيام (1-2)

سنة النشر : 08/08/1995 الصحيفة : عكاظ

 
كنت في جولة في الايام القليلة الماضية عبر دول الحزام الباسفيكي التي تسجل الآن الارقام القياسية غير المسبوقة وغير الملحوقة ايضا في العالم أجمع، وبعد أن ضمت فيتنام مؤخرا الى جماعة ( الأسيان) وكمبوديا كعضو مراقب صارت اتفاقية تحرير التجارة في الباسفيك ( AFTA) واقعا ضخما وبدأ عمليا يزاحم مناكب العمالقة في المنطقة بل والتركيبات الدولية الأخرى وانك لتدهش فعلا من عمليات التنمية في حوض الهادي وورش العمل تدور تروسها باندفاع لا يعرف التوقف وتنمو مؤسساتها المالية وبيوتها التمويلية والتأمينية حتى اصبحت شبكات عظيمة القدرة وتمد المشاريع الشرهة للتوسع والانتشار بنجيع الحياة المال وادارة المال ، وبدأت هذه النمور الرشيقة تتقافز بمعدلات تنميتها وتوسيع دوائر صيدها في غابات وأدغال الاسواق القارية. وربما كان من المفيد ايضا ان نطلع على بعض ما تواجهه هذه المناطق المزدهرة من مشاكل وعقبات في الباسفيك من خصره الضامر بين مضايق ملقا إلى صدره الواسع في بحر الصين والأوقيانوس المفتوح الفلبين وفيتنام سجلت الفلبين منذ العام الماضي نموا مفاجئا بعد تعثر عبر عقدين من الزمن تخلفت فيه عن القافلة المنطلقة لجيرانها وحلفائها الآسيان وسبق أن عالجت بالتفصيل اسباب التقدم التي تحرزه الفلبين لتعلن عن قدوم كبير بعد اصلاحات جذرية قامت بها ادارة الرئيس راموس ومجموعة من الخبرات شديدي البأس.. الا انه مازالت امام البلاد عقبات كؤود الربط العربة الفلبينية في القاطرة الباسفيكية المنطلقة... وتبدأ هذه المشاكل بضعف واهتراء البنية التحتية في البلاد وعبر جزرها السبعة الاف المتناثرة في بحر الفلبين وتعقد عدم فاعلية الادارة الحكومية وعمليات القطاع الصناعي والتجاري الذي مازال يبنى على النفوذ واستخدام السلطة واتساع الاتصالات بالشخصيات القادرة. كما تعانى البلاد من امداد الطاقة الكهربائية اللازمة لعمليات التنمية وان حلت بعض الشيء في الحاضرة مانيلا الا ان الجنوب والذي يحتضن الان معظم الصناعات الجديدة والاستثمارات الخارجية يعاني من نقص الطاقة بشكل يهدد معدل التوسع والنماء الكبيرين. ولا تنتهي هذه المشاكل بالنداءات التي خرج بها بعض رجال الكونجرس الفلبيني مؤخرا باعادة السبعة ملايين عامل خارج البلاد وفرض سياسة للحد من خروج العمالة الفلبينية للعمل في الخارج.. ولكن تلقى هذا النداءات معارضة واسعة تعتبر أصحابها ذرائعبين يهدفون إلى شحن الشعب الفلبيني عاطفيا لاغراض سياسية وانتخابية واضحة ويتصدر هذه المواجهة المعارضة اصحاب الرأي الاقتصادي الجاد الذي يحذر من عواقب اقتصادية وخيمة لو طبقت هذه السياسة وستخسر البلاد مصدرا كبيرا من مصادر العملة الصعبة عن طريق التحويلات المالية للعمالة الفلبينية في الخارج.. اما فيتنام الدولة الشيوعية السابقة فقد انضمت مؤخرا الى حلف دولة الآسيان ( ASEAN) بروناي اندونيسيا ، ماليزياء الفلبين سنغافورة و تايلاند و كمبوديا كمراقب).. ولقد فتحت فيتنام بواباتها بعد سنوات من الاغلاق المحكم من الايدلوجية الماركسية وتعليمات هو شي منه.. ولقد فتحت هذه الابواب فجأة على مصراعيها فتدفقت الديناصورات المتعددة الجنسيات الى الأرض التي كانت محرمة وارضا لحروب ضارية بدءا بالفرنسيين ولم تنته بخروج الأمريكيين... وبدأت تتدفق دماء الاداء السوقي والرأسمالي في الجسم العليل ولكن بكميات تفوق طاقته وتبدو مضاعفات نقل الدم هذه بالطاقة الكبيرة تلهث وراءها ماكينة صدئة ضعيفة وقديمة.. ويحاول الفيتناميون الان تطوير هذه الماكينة واستبدالها ما أمكن للحد من تواتر معدلات التضخم واتساع الفروق بين الطبقات الاجتماعية والمشاكل التي تجرها العادة الاستهلاكية الرأسمالية السوقية. كما أن الإحساس بالصدمة الايدلوجية وتأنيب الذات التي قدست الايدلوجيات لعقود من الزمن مازالت تتطاير كالشرار من الحجر ( الاحمر) الذي لم ينطفىء بعد.. كما أن اعباءها اللا انتاجية والبيروقراطية والعسكرية مازالت تثقل كاهل الدولة ، حيث أن فيتنام هي ثانية دول الاسيان من حيث العدد السكاني بعد اندونيسيا والذي يتعدى الاثنين وسبعين مليونا.. كما انها تغذي آلة عسكرية هائلة.
 
الاكبر ضمن دول الحلف بحيث يفوق الثمانمائة الف جندى ( وان كان هذا الجيش ضمن اسباب المرونة الصينية في مشاكلها مع دول الاسيان وبالذات حول ارخبيل سبراتلي والذي تدعي السيادة عليه أكثر من عضو في حلف الاسيان... في المقال القادم- ان شاء الله ـ سيكون حديثنا.. حول هونغ كونغ ومصيرها المحتدم في أواسط ۱۹۹۷. وعن التوتر الشديد الذي تسببه الصين في بحر الصين الجنوبي.. وعن الشركة الجبارة ميتسوبيشي التي تصدرت قائمة مجلة ( FORTUNE) لاكبر خمسمائة شركة في العالم وبمعدل ایراد فلكي تجاوز المائة وخمسة وسبعين مليارا من الدولارات. ( لاتنس اننا نتحدث عن شركة (!))...
 
齊 來
 
والمهم الصحة والنجاح خطان متوازيان.. نكتشف بعد سنين اننا جعلناهما خطين متعارضين.. (!)