الصداقة: القسمة على اثنين

سنة النشر : 01/07/1995 الصحيفة : عكاظ

 
كتب لي: الصداقة تعني طريقا من الضياء يحده مساج يمنع التيه ويحمي من الضياع. الصداقة تعني المبادرة إلى الانتشال عندما تتأهب قوى الظروف إلى دفعك الى حواف الهاوية.. إنها دوما طوف الانقاذ الذى يبقى معلقا بمركب الحياة. قد لا تلاحظه ابدا.. قد لا تحتاجه ابدا ولكن وجوده صالح متأهب في مكانه حيث تجده دوما هو كل الاطمئنان في العالم.. الصداقة يد تشملك بالوقاية والدفء عندما تنبعث النيران وعندما يحاصرك الجديد.. انها تلك الغيوث التي تنهمر عندما تنفطر ارضك شقوقا من الظمأ ومن دمك الجفا!.. أنها قبل كل شيء دمعة تقطر مع وابتسامة تتقافز مع بسماتك.. الصداقة شيء النفسات يبدأ ثم لا ينتهي ابدا الا عندما تنتهي! الاخيرة. أن لم تكن الصداقة. هي الجمال بذاته فهي السعادة بناتها فهي أذن الوسيلة التي نلتمس بها الجمال وهي العربة المعلقة بالنجوم لتأخذنا الى مجرات السعادة!.. ولكن اعظم الاحساسات هولا واقساها الماء الصديق الى الابد... هو الاحساس بأن تجد فجأة الحماية رفعت عنك امام اخطار عالية ان تجد فجأة لحافك قد نزع عنك في وسط صحاري الثلج وعواصف القطب ان نجد ان الحزن قد جاء بجوارك وضيق عليك والتف حولك وغطى العالم أمامك وصرت لا ترى الا الحزن ولا تشم إلا الحزن.
 
إني حين مات ( محبوب) صديقي.. صديقنا... ماتت لدي رغبات كثيرة. وتعطلت داخلي ارادات كثيرة.. وكما قلت لك لم اعد اتحسس الجمال لم اعد املك وسيلته!! ماذا تعني لي الزهرة ؟ ماذا تعني لي القيمة ؟.. أين هي الفرحة بعد الآن ؟!.. لقد غارت عميقا في رمال ذبحها الظمأ ولن تروى ابدا.. عندما مات صديقي.. ضاعت معالم طريقي واطاح بسياج النخرم اعصار الالم والقنوط والوجع الممض الذي يدور مع جهازي الدموي ويضخ من قلبي ومن دماغي ومن صحوي ومن خیالاتي.. عندما طار السياج رميت في مفازات التيه.. مع (محبوب) صديقي كانت الأمور دوما شيئين.. كان الالم مقبولا ويقبل القسمة على اثنين ، وكان الكسب يتضاعف بالاحساس بالقسمة اتذكر كان يقول بسخريته لقد تغلبنا على المنطق الرياضي.. ان لم تكن تذكر فإني اذكر ذلك جيدا ليتني استطيع الا اتذكر). ربما لا تعرف انت مدى العلاقة التي نحنت بين نفسينا وصهرت العلائق والوشائج بين روحينا حتى كدنا أن نتطبع بطيع واحد ونتكلم بصيغ متماثلة.. بل لقد احسسنا مع الزمن اننا بدأنا نستعير تقاطيع بعضنا!! لقد عرفته طفلا يجري في حارتنا.. وعشت معه بعد ذلك نجري معافى المدارس والجامعات ونجري ونجري في مضامير الحياة.. كانت شاقة وكانت متعبة... والفرحة والأطمئنان كانتا دوما تنبعان من قابلية القسمة على اثنين. الآن بان الواقع احاديا بدون الشكل بدون التكون وتناثرت الصور احادية مموهة بلا شمل وبلا أطار. عندما مات ( محبوب) اندري ما فعلت.. لقد كانت الصدمة أكبر من أن تأخذ مجمال شعوري والفجيعة حطت فوقي وكانت أوسع من أن تتغلغل داخلي. هل أجن ؟ هل استسلم ؟ كيف امسك عقلي من مكانه ؟ كيف اثبت قلبي وهو ينخلع من عروقه ؟.. اريد ان اصب ألمي وحزني وفجيتي ولكن أين ؟!.. اتعرف وبغياب كامل رحت ابحث عن محبوب.. لأشكي اليه... هول فجيعني بموته.. لقد كان دوما مصب شكواي.. مات المصب.. فاض النهر.. فاض... وفاض.. انه الطوفان.. ولكن لم يعد الطوف.. طوف النجاة معلقا في مكانه.. لم تعد النجاة ممكنة.. انه فقط الطوفان ولقد قررت عضلاتي اللاارادية ان تستمر في السباحة ولكنه اليأس العظيم.. انه العذاب الاغريقي الذى لا ينتهي. اسبح الى حيث لا شاطيء.. لا منارة.. لا ميناء. ها أنا اكتب اليك وأشعر أنك جزيرة صغيرة في بحر الطوفان لالتقط أنفاسا لاستمر في رحلة العذاب.. رحلة بلا شاطى... أظن شاطئها... ان استريح بشكل أبدي انتى أجمع كل ايماني ، ولكن جبال الالم وبراكين الأسى تسحقني وتطحن كل ما أجمعه.. كنت اريد ان تعرف ما كان يعني لي ( محبوب) وما كانت تعني لي الصداقة.. ما يعني لي الصديق كتبت له:
 
وأشكرك على العزاء....
 
من أخيك سعد
 
أخي سعد.. لقد كان فقدان محبوب فجيعة كبرى. ولكنها لا يجب أن تكون مفاجاة. كما أنها لا يجب أن تكون مناحة.. لقد مات محبوب الصديق فهكذا شاءت المشيئة الالهية. ولكني اعلم أن الصداقة لا تموت.. فانا اتفق معك حول كل المعاني الباسقة المتطاولة جمالا واحساسا حول الصداقة.. وأخاف عليك من أن تبتلعك هذه اللجج من الاحزان التي شيعت بها الصداقة لما شیعت محبوبا بل الحقيقة أن واجب الصداقة لم ينته.. وعليك أن تكمل مسيرة الصداقة مع محبوب فهو مازال بحاجة اليها. كما كنت انت بحاجة إليها.. ولازالت.. أسرة محبوب تحتاج صداقتك.. معارفه يحتاجون صداقتك اعماله تحتاج متابعتك ذكراه تحتاجك دوما لتبقى صورة محبوب في أذهاننا والأهم ان يبقى في أذهان اطفاله ليكبروا.. ومعهم تكبر هذه الذكرى فتبقى الأبوة رغم موت الأب.. الصداقة ايضا الا نستسلم.. الصداقة طاقة لا تنضب تدفع الى الاستمرار والمضي في الاستمرار.. ليبقى محبوب فى وجداتك وذهنك وذاكرتك.. وليبقى دوما في ضميرك.. ولتتعلم وتتعود أن تدعو له وعلمنا وعودنا على ذلك. عندها ستجد ان الصداقة مازالت تسطع بالضياء.. ومازالت تحمي من الضياع.. كما أن السياج ما برح في مكانه يحمي تخوم دربك من الشتات. لابد ان نحمل العرفان للصداقة هذا المعنى الأشم وتاج الاخلاق لأنها- عندما تستدل على حقائقها الصافية- ستدفع بالعافية الى دمائك وستضج بالحيوية دنياك.. أن الله تعالى وهب لنا الصداقة كطاقة من طاقات الحياة وقود للمتابعة والانبعاث. وعند المحن يزداد هذا الوقود توهجا...
 
ليبقى للدنيا نضارتها.. والترفرف أطيار الأمل وارادة الحياة... هكذا يجب ان تكون يا سعد بل أنت هكذا فعلا.. وستجد ان صداقتكما مازالت تنبض بالحياة وأنها مازالت تقبل القسمة على اثنين!! الله معك..
 
والمهم: الصديق هو الذي يهم بالدخول وبقية العالم يستعد للخروج.