وبقي دور الحكماء!

سنة النشر : 13/06/1995 الصحيفة : عكاظ

 
أبداً لن نتبادل السب المقذع ولن نمارس الردح الذي يمـارس على الشرفات في السكك الضيقة بالحارات المصرية كما يصورها لنا الكادر السينمائي المصرى الكلاسيكي والعجيب ، وهذا شيء لم أنتبه اليه آلا مؤخرا- عندما صعدت بعض الصحف المصرية تقنيتها الشتائمية. انه حتى لغتنا هنا التي نحكيها والتي نكتبها فقيرة بالألفاظ والتراكيب والخيالات الخاصة في التقنية الشتائمية.. وهذا فقر نشهد الثقلين عليه!! ثم ان من الطباع التي تنبت مع أظافرنا وتسري في تركيبة دمائنا ما يعتقده اهل بلادنا بأن ممارسة الشتم والسب هى فى حد ذاتها تنقص من مهابة المرء وتقلل من قدره.. أنا لا أملك الادعاء بأنها صفة وطنية تعمنا ولكنها... والواقع يحكى- الصفة الغالبة.. وتنسحب هذه طبيعة الأشياء.. على الرأي حسب الجماعي وعلى المواقف الرسمية. فانا واحد لا تعي ذاكرتي اننا ( رأياً جماعياً صحافة أو موقفا رسميا أشعلنا فتيل تلاسن اعلامي.. او بدأنا انتقاداً علنيا لبلد... أي بلد.. او حتى حاولنا ذلك.. الحقيقة أننا نتغاضى أكثر مما هو مطلوب من أي أحد.. لأننا نمارس كثيراً أدبيات المروءة.. لأننا لا نريد بوعينا وبلا وعينا الموروث ان تلطخ فينا صفات المسلم الحق.. ولأن « ضبط النفس بأت شيئا يمارس الأقصى الحدود للقيمة التي نستمدها من ديننا ومن قيمنا كما يرانا العالم.. وكما يجب أن يرانا لذا نحن اما نشيح السمع عن الموتورين.. او نوضح الأشياء أن احتاجت الأشياء توضيحاً وبعد ذلك فالذي يحصل. شيئان.. اصحاب النقد العاقل يقبلون الايضاح أو يناقشونه وهم المستهدفون في مسألة وضع الاشياء في نصابها وازالة ما يلتبس من أمور أو من لي للحقائق. اما اصحاب الأغراض والخائضون في المياه الموحلة فان أمرهم لا يهم الا ان شئنا أن نأسف من أجلهم.. ولكن ان تمارس بعض الصحف المصرية تمارس فينا قذفاً علنيا بزخات ضربت رؤوسنا جميعاً فانها والله صدمتان صدمة أن بلاك في هذا الردح العلني وصدمة أن تأتي من بعض. الصحف المصرية.. ولا تدري من وقع المفاجأة أيهما أكثر تأثيراً (والأهم ألا تبقى أثراً).. إنني متيقن أن أولئك الكتاب والصحافيين الذين كونوا كتيبة الحملات الأخيرة انجرفوا بدون أن يعملوا العقل والمصلحة ناهيك عن الضمير ، وعن الوازع والتبصر والعدل وتعال- وليتهم يلجمون مكابحهم ليتبصروا نناقش. ونرى الآثار المروعة التي يؤدى لها هذا. الانسياق أن استمر ولن يرضى عقلاء مصر بذلك.. بالوقائع التالية:
 
 1- المنافع المتبادلة: ولاحظ أنني أقول المنافع المتبادلة ولم أضع ميزانا لأرجح. أيا من الكفتين.. ولن أضع.. ولكن هذا من قبيل خطورة عبث الأطفال بالنار ان الاصرار على زرع استياء قومي يؤدي في النهاية الى انكماش التبادل المنفعي بين البلدين وسيتاثر به آلاف من الأفراد والأسر ودوائر اقتصادية مختلفة.
 
 2- احترام النظم والقوانين: هناك عرف فاق القانون بأن من ثوابت الأشياء ان تحترم نظم البلدان التي أنت ضيف فيها... بل انه بديهة وفوق ذلك فهناك دوما عقود قانونية في سمات الزيارة وفي عقود الأعمال تلزم بذلك.. وهذه النظم لا تجهل.. والجهل بها حتى لا يكون عذرا ما دامت مكتوبة ، ومنشورة ، ومطبقة.. فما بالك إن كانت اسلامية وأنت مسلم... فالمسألة تعدت احترام نظم بلدان أنه احترام دين.. وهذا أمر لا يناقش..
 
3- سلب الأدوار وضع أصحاب الحملة انفسهم على طاولة القضاء.. وأصدروا التهم.. وبتوا في الأحكام.. بدون الاطلاع على دليل أو وثيقة او تفنيد للبيانات والايضاحات.. والحقيقة إن من سب آلت عليهم هذه التهم هم الذين لهم الحق في مقاضاتهم لو كانوا يريدون).
 
 4- لغة جديدة يأبى الرجل المتحضر استخدام الأسلوب الهمجي!) وبامكانه حتى أن ينتقي كلمات تؤدي الغرض الهجائي بدون الانزلاق في المستنقع الكلامي.. وبعض اصحاب الحملة مارسوا فيه كل فنون السباحة وأرجعوا الاسلوب الصحفي المحترف في عصر المعلومات الى الصحافة الحجرية انها شيء جديد اعادهم الى ممارسات عتيقة....
 
إنها حملة شرسة مسمومة نراها قد أخذت مع شديد الاسف مداها المؤثر نفس المواطن السعودي الذي لابد انه اخذ يراجع نفسه الف مرة قبل ان يأخذ مقعده في الطائرة إلى مصر لقضاء اجازة هذا الصيف....
 
ولكن نحن ترى دوماً نوراً في نهاية النفق.. وحكماء مصر وعقلاء مصر وهم كثرة لن يسمحوا لمن يريد اغلاق كوى النور وسيحكون ما تمتلی به ضمائرهم.. والبعض منهم قالود فعلا.. وهدى الله الجميع الى الحكمة ضالة المؤمن.