العجمي .. وملحمة التحول
سنة النشر : 25/04/1995
الصحيفة : عكاظ
أود اطلاعكم من خلال هذا المكان على كتاب قيم واضح شيق وعملي ، ألفه ذلك الذي ولد في بطاح الصحراء في أوائل العقد الرابع من هذا القرن في أحدى الهجر من البر الشرقي للجزيرة ونشا الى بدايات صباه بدويا في الخيمة ومع الشياء والابل في مناطق كأنها خارج الزمن.. مناطق كادت أن تنساها الجغرافيا الى ان دارت به تصاريف الحياة ليصبح واحدا على قمة هرم اداري لشركة جبارة يتطلع اليها العالم قاطبة عندما تطل أول قطرة شمس ، وعندما تنسحب آخر إطلالة نور بعد أن كانت حدود العالم ماتراه عيناه وتدركه حواسه اصبح العالم تخومه ، وتوزعت إتصالاته في اركان المعمورة.. وبعد أن كانت قراراته كيف ومتى يجش على ( حلاله) صارت قراراته مع زملاء له تجري في عروق وسائل الاتصال عبر اليابسة والبحار. الكاتب: ناصر العجمي الكتاب: وضعه بالانجليزية تحت عنوان Legacy of a lifetime وأجيز لنفسي ترجمته بعنوان تركة عمر الشركة أرامكو) التي ابتدأ بها العجمي بدويا يافعا بدون قسط وافر من التعليم إلى أن تقاعد في واحد من أكبر مناصبها ( نائب الرئيس التنفيذي وأحد اعضاء مجلس إدارتها... والكتاب هذا غير ما اعتدت عليه من كتب تدوين السيرة العربية، من منظورين استراتيجيين هامين.. المنظور الأول أنه من خلال حكايته الذاتية سيرة تحول يصور تاريخي لأمة برمتها وفي جيل انسان من أنماط ابتدائية إلى دولة عصرية صارت تحمل دورا عالميا مؤثرا ، وتجارب تطوير بعضها يحكى كالأساطير. ولقد أعجبت ببلاغة ستيفن سرير SAWYER في إضاءته لهذا المنظور في تقديمه للكتاب حين قال لقد عاش أي الكاتب تجربة عمر تطلبت اجيالا في العالم الصناعي لإنجازها.. وهو انتقال امة الغربي من بيشات الجهل واختلال الأمن إلى مجتمع حديث تقني متقدم وبقوة تأثير دولية ، ولقد روى الكاتب الأحداث خالطا التاريخ والإدارة. والمنهجية الفكرية المعروفة لرواد أرامكو كما تعرفهم في هذه المنطقة ، مع التوثيق الدقيق والصور الفوتوغرافية والتدفق الفكري المنظم.. والجزالة اللغوية. أما المنظور الثاني فهو أن الكاتب لجأ إلى اللغة الانجليزية كلغة تعبير أصلية وهو يبرر هذا قائلاً في مقدمته. طبعا بالانجليزية.. اخترت ان اكتب بالانجليزية عوضا عن العربية الأسباب شتى. فالانجليزية هي لغة عملي لسنوات عديدة كما انها اللغة ال ة التي استخدمها معظم الوقت.. هذه الظاهرة بحد ذاتها تعطي دلالة على المسافة التي قطعتها مع جيلي عن جذورنا... التطور في المملكة قصة بأبعاد وتبعات دولية منذ البداية... إلى أن يقول ان نجاح تقدم الموارد البشرية والتحول الوطني كان جزئيا بسبب جهود وتعاون دولي.. قراري في الكتابة باللغة الانجليزية اعتمد جزئيا على هذه الناحية للوصول الى القراء دوليا ثم أنه يستدرك... وهناك ايضا سبب آخر. مهم... فلقد اختلطت المفاهيم لدى الغرب عن العرب وعن الاسلام قراري في الكتابة الانجليزية كان أملا متواضعا لإعطاء الصورة المتوازنة والحقيقة عن حضارتنا عن ديننا ، وعن شخصيتنا الوطنية... ويبدو أن الرجل يملك ناصية اللغة الانجليزية أكثر من تحكمه باللغة العربية وخصوصا في. مسألة الكتابة الإحترافية وهذا شيء نلمسه ونعرفه من الجيل الذي عاصر السيد العجمي.. فقد انخرطوا في العمل مع الأمريكيين في بواكير أعمارهم ثم تلقوا جل تدريبهم العملي وتحصيلهم الأكاديمي ولغة عملهم اليومي باللغة الانجليزية.. ولابد أن أشير الى أن هذه الفئة من الناس حققت نجاحات مذهلة سواء في التفوق الوظيفي داخل الهيكل الإداري العملاق لارامكو ، أو في ميادين الأعمال الخاصة عندما تركوا العمل في الشركة ليؤسسوا كياناتهم الخاصة وأحيانا كثيرة مباشرة وغير مباشرة من خلال التأثير والروح والفرص العملية منها.. ولكن وددت ايضا لو تمكن الكاتب من نقل هذا الكتاب بالعربية لأنه يحكي ملحمة عامة عاشها هذا الوطن وبنسق شيق وإيضاح علمي خلا من المباشرة أو الاستعراضية ولكن بانسياب مريح يجعلك فعلا تعيش بعدا جديدا وزاوية لم تتطلع من خلالها سابقا لدخائل التطور العظيم الذي أحدثه اكتشاف النفط في المملكة ، ثم يعطي لشبابنا عبقا من رياح البداوة وعمقا من مظاهر العصرنة ونوعا من الرجال أعطى جيدا مضنيا وصنع انجازا ملموسا وبنى خبرات لابد أن تستثمرها الأجيال من بعد.. إنني أود للجميع قراءة الكتاب لفوائده التي ذكرت ولصفاته التي نوهت.. وربما كان عامل اللغة من عوائق هذه الدعوة. ثم ان لي ملاحظات للكاتب الذي ارسل ضمنا عتابا الدوائر عامة في المجتمع حين قال.. أن الجيل الذي ساهم في تحول المملكة العربية السعودية لم يحظ بالاعتبار الذي يستحق من مثقفينا ، وكتابنا ، معلمينا ووسائط إعلامنا.. کلام مؤثر جدا الا أن تأثيره سيكون أعمق وأوسع لو كان بالعربية.. وربما كانت بيئة هذا الجيل الثقافية وتكوينه العملي ذو الطابع الأمريكي أحد الحواجز بينهم وبين من وجه لهم الكتاب لومه وعتابه...
ودعني أختم هذا العرض بجملة مؤثرة. ورائعة السبك والمعنى ، من ضمن كلمته الإستهلالية للكتاب إن (تركة عمر) لهو محاولة متواضعة لأسداء الثناء الى سعوديين كثيرين ساهموا بعطاء كبير في نجاح المملكة إنني أريد أيضا أن يعلم أبناؤنا وبناتنا أن هناك مكاناً لأي مساهمة ايجابية ومن أي أحد...