الحقيقة السامية؟! (2-2)
سنة النشر : 04/04/1995
الصحيفة : عكاظ
البحر الكورالي يهدر بموجه الثائر. غاريا بعنف وصخب نور الشاطيء البركانية، والقمر بقرصه المنير تغتسل اشعاعاته مع انعكاسات اشرعة المراكب الصينية.. وتتمايل على انبساط الساحل صفوف تخيل جوز الهند التي انعكف. معظمها معانقا الرمال أو مرتعشة مع رزان الماء و وضع الضوء القمري وهدير الماء. وحفيف الاشجار الاستوائية يبرز على تل اخضر يشاهد المحيط كوخ فخم يتراقص داخله نور غريب..
كان هذا المكان الذي يوحي بنأي الأحلام ومرابع الرومانسية جزيرة من أرخبيل متناثر في الأطراف الجنوبية للهادي. وفي هذا الكوخ المشيد من اخشاب البامبو والمزود بكل وسائل الراحة والاتصال الحديثة مع مرسى يخوت كامل التجهيز تصافت على رصيفه افخم يخوت العالم. وعبر نخيل جوز الهند والاشجار الاستوائية شق مدرج لتهبط به الطائرات الخاصة من اركان القارات... وبداخل الكوخ جمع ويمارسون عجبا النور الشحيح في أرجاء الكوخ الفاره ، ورياشه الأنيقة تنطق عن شراء باذخ وداخل غرفة ضيقة من غرفه يتراقص قنديل مزخرف وموشى بكساء حريري أحمر وتتدلى من أطرافه أشرطة مزينة بحروف مبهمة ومطرزة بالتنين الذهبي شعار أباطرة الصين الغابرين. وعندما تتبع الوجوه التي. تبرق ملامحها مع كل هزة من نور القنديل ترى ان الوجه الأول لواحد من كبار مخرجي هوليوود ، والوجه الثاني لسيناتور أمريكي ذي سطوة في العاصمة الأمريكية ، والوجه الثالث لعالم فيزياء عبقري من فرنسا ، والوجه الرابع لموسيقي الماني تعيش قاعات العالم الأوبرائية على سمفونياته ، والوجه الخامس لروائي ياباني افخم جوائز الفكر والابداع والوجه الأخير لزعيم سياسي من العالم الثالث الذي أصبح الآن جنوبا.. انما الوجه الأهم والمسيطر والرابض على كل مشاهد الحدث فامرأة اندونيسية عبرت عليها كل قوافل الزمن غضنة البشرة تائهة العينين لايكاد حجمها يتجاوز- دماغ العمالقة الجالسين وتتطلع باستغراق وغياب غامضين لى كرة بلورية وحولها سلة مغطاة معلقة في هواء الغرفة وكأنها مثبتة فيه بلا رباط او حبال.. اما الهدف من هذا الاجتماع السنوي والذي ياتيه المجتمعون بانتظام ودقة متناهيين فهو للاتصال مع الأرواح في العالم الآخر.. قراءة للمستقبل، واستجداء للقوة واستجلابا كما يعتقدون لقوى ما وراثية لسحق الغرماء وفرش حروب النصر والزهو.. وهذا ى يعرفه الكثيرون غيري الممارسات التي لا تقبلها بديهتنا ناهيك عن عقولنا يعتقد بها وبعمق حتى آخر وقفة عرق في قلوبهم رجال ذوو بأس عظيم وقراراتهم تحدد مصائر شعوب وتسير مواكب احداث...
إن الذي دفعني الى كتابة أول مقال في ياتي وذلك قبل حوالي عقدين من الزمن ونشر انذاك في جريدة اليوم تحت عنوان تناقضات الحضارة الحديثة وأنا مازلت غض الإهاب اخطو الى نهاية المرحلة الدراسية المتوسطة كان عن جماعة تدعي انها روحية دأب أعضاؤها. على ذبح النساء والرجال دون الخامسة والعشرين ثم انتزاع القلب لممارسات طقوسية. مظلمة ومتهتكة يتقربون فيها إلى ما يرمزون اليه بالشيطان الأحمر. كتبت ذلك المقال تحت وطأة الفزع وخيالات الهول. اما ما يذهلك فإن تلك الممارسات كانت تدور في حرم جامعي شهير باحدى الولايات الأمريكية وعبر الأمكنة وخلال الأزمنة كان للشعوذة والسحر واختراق الغيب والاتصال وراء المادة دور لا يهمل. ذكره في المسار الانساني. لقد كانت دوما هناك اهلية ما تكمن في العقول والقلوب وتابي الخروج رغم التقدم رغم الوعي.
ورغم العلم الك الشعر والترجيف ممارسة افراد كثيرون. البحر تحت تاليه الاهداف احط وأتفه على أفراد كثيرين فإن شعوباً كاملة قد تسير مصائرها بطقوس سحرية ، فجزيرة تاهيتي تدار بالكامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بالسحر وبسيطرة مريعة من السحرة إلى الآن وربما انك قرأت مثلي كيف تساق صبايا من الغرب الافريقي للأقبية التحتية وعلب الرذيلة وراء ثم بذل الروح وهذا ما أود أن انتهي اليه في الأمثلة التي اسوقها هنا بل الأرواح وبإقبال جماعي كانها خطوات اتفقوا انها تنقلهم إلى قطان النعيم.. ولك ان تتخيل ما جرى داخل أحراش كثيفة في احدى الدول اللاتينية قبل سنين عندما اكتشفت عشرات الجثث لشباب وشابات من اكثر من جنسية وقد التهموا سموما صفت ببراميل ورسائلهم تشير إلى قرفهم من الحياة حولهم وأنهم كانوا بانتظار اليوم الذي يحمل نهاية العالم حيث ينتقلون إلى الطهر والسعادة. أما حادثة الممثلة شاروة تيت نجمة هوليوود الطروب فهي عالقة بأذهان الكثيرين.. وفي أيامنا هذه راينا وسمعنا وباستغراب عميق بالانتحار الجماعي للداووديين وكثير منهم من الطبقة المتعلقة الناجحة سيرهم كالنياق شاب شان فاشل ادعى أنه صاحب رسالة صليبية لتطهير النفوس وانتظار اليوم الأخير المريع. أنهم قتلوا انفسهم وقبل ذلك أولادهم!
واليوم في اليابان جماعة أوم الحقيقة السامية ، تحتل أخبار الساعة وتثير الفزع لدى أنجح شرطة في العالم.. وأيضا الموت والسموم، ونهاية العالم ركائز ثابتة في عقيدتهم!... قد تكون وراء مثل هذه الأمور دوافع سياسية مثلا صلة جماعة الحقيقة السامية مع صناع القرار في موسكو!... او اقتصادية.. أو- ان شتنا- خطط بروتوكولية يهودية أو هوس فردي.. ولكن السؤال.. لماذا يركض العقل البشري الصدرك.. وراء اللا أدراك.. وخلف السجف والسراب.. والاستغراق فيها حتى الغرق.. حتى الفناء ولماذا يهرب الانسان من المعقول الى اللامعقول ومن المستقيم الى المعوج ؟ هل هي قوى ضلال داخل المرء ام خارجه استعداد داخلي معقد.. ام مؤثر خارجي لا يقاوم ولكن الأكيد أنه اضطراب روحي مع هياج نفسي داخلي تقوده الى البحث عن اشياء تخمدها. فحين لا يتلقاها المصلحون الحقيقيون يستقبلها العباقرة الشواذ ليصنعوا منهم سلاما لايذاء العالم ولنحر أنفسهم.