العملاق الأخضر

سنة النشر : 21/03/1995 الصحيفة : عكاظ

 
هذا الدولار الذي حيرنا وحير دهاة المال في العالم: و دهاقنة المضاربات والتنبؤات كيف يحكم الدولار الضعيف هذا العالم الكبير؟ كيف يتصرف هذا المريض بصحة الكرة الأرضية قاطبة بل كيف يفترش هذا المترنح أرض الكوكب وهو بلا غطاء والأعجب كيف يطال بضرباته الصاعقة وتكاد ان تكون القاضية مصارع السومو الهائل ( الين) والعملاق الاري المتبطر ( المارك) بحجمه الذي يتقدم يوما بعد يوم ؟ لم يحكم الاقتصاد الكوني في التاريخ شيء كالدولار.. ورقة. حرفيا- تجرف عند كل هبة هواء كل المؤشرات عبر المعمورة بلا استثناء.. ورقة تلفظها مطابع النقد في الأقبية المحمية وترسل للعالم لتسطر ملاحم نعلم شيئا منها ونجهل أشياء.. وهنا ساستعرض- بدون الادعاء انني سأقف على أصل البلاء وبالتالي وصف الدواء- ما نعرفه من الاسباب التي قد تكون وراء ذلك ، وهذه الاسباب متباينة ومتناقضة في بعض الزوايا ثم نحلل هذه الأسباب بدون أن أعطي رأيا قطعيا في سبب بذاته لسبب بسيط وهو أننا تحلل اكتفاء بالمشاهدة والاستنتاج وما نحصل عليه من متفرقات من معلومات من دورية ما أو تصريح ما وما نراه من واقع الأسواق والية التبادلات والقيم النقدية. باستثناء الين والمارك فان معظم العملات العالمية حاليا تتعرض لضغوط اقتصادية محلية وخارجية تجعل مراكزها التبادلية تتهاوى ولذا تعلن الدول صاحبة هذه العملات حالة استنفار وطوارىء لانقاذ عملتها او انقاذ ما يمكن منها ، اما بفرض قوانين داخلية جديدة أو اللجوء الى تخفيض العملة قسرا او عمدا وأمامك الأمثلة المهينة التي لحقت بالجنيه الاسترليني والفرنك الفرنسي والبيزو لمكسيكي وهذا قاد النظام النقدي الى حافة الكارثة لولا إمدادات كبرى من الدولارات حقنت في شرايين الاقتصاد المكسيكي.. ولم نسمع أن البيزو خرج من غرفة العناية القصوى بعد والليرة الايطالية.. ولقد سمعت الأوساط المالية والمتعاملون بالتخفيضين اللذين يحملان دلالات كثيرة حين قامت البرتقال بتخفيض الاسكودو واسبانيا بتخفيض البيزيتا.. لذا فهناك رأي عام يرى أن الدولار ليس بمنأى عن هذه الاضطرابات العالمية التي تهز النظام النقدي ككل. ولا يجب ان نفرق في الاعتقاد بأن ارتفاع سعر الين والمارك يعني انهما يعيشان واقعاً ورديا وانتعاشا مزهرا، بل أنه صداع من شكل اخر.. شيء بالضبط مثل الذي يموت جوعا وذاك الذي يمين تخصة فرجال الأعمال والصناعيون اليابانيون والألمان يعيشون كابوسا حقيقيا من جراء الارتفاع المتفاقم العمانيهما ويسود شعور عميق بأن هذا الارتفاع يؤثر سلبا على الاقتصاد المحلي.. حيث اصبحت المنتجات اليابانية والالمانية مرتفعة الاسعار لتفقد موقعاً تنافسياً ومازالت السمعة التقنية للمنتج الياباني والجودة والمتانة للمنتج الالماني هما قوتا الدفع اللتان تسيران سباقهما التنافسي مع منتجات الدول الصناعية الأخرى. هذا الهاجس هو الذي دفع وزير المالية الياباني إلى التصريح بأن الين القوي أحدث ضرراً على حركة التصدير في بلاده.. وعندما حدث الانخفاض المريع للدولار والذي وصل الى سفح قياسي في صبيحة التعامل يوم الرابع من مارس مسجلا ٨٨,٧٥ ينا كاد الوزير الياباني أن يستجدي وزراء مالية الولايات المتحدة والدول الأوروبية ليشتروا الدولارات وبأن يبيعوا الين.. ولم يكن رد وزير الخزانة الامريكي بالذات مشجعاً مما دعا الوزير الياباني مازايوشي تاكيومورا إلى طلب انعقاد اجتماع طارىء لوزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع.. اذن الأزمة عالمية تعاني منها العملات الضعيفة والقوية على السواء وبالتالي يرى الكثير من الخبراء بأن الدولار يعيش هذا الاعصار ان لم يكن في عينه.. ولكن يثور السؤال في هذه الظروف في الاجراء ( المتخاذل) كما يعتقد اليابانيون من قبل السلطات العالية الأمريكية في عمل شيء ما ازاء ذلك.. وما تجنيه الصناعة الأمريكية بالطبع من ارتفاع معدلات التصدير نتيجة لانخفاض الدولار! اذن الرأي الثاني يميل إلى أن السلطات المالية الامريكية ليست جادة في تحسين وضع الدولار لما يبدو من الوهلة الأولى بان هذا سيحسن من ميزان المدفوعات الامريكي ويحدث طفرة في التصدير تزيد من الانتعاش الاقتصادي داخل الولايات المتحدة. ومن الصعب التسليم المطلق بهذا الرأي فالمسألة أولا ذات اعتبارات بالمسألة الوطنية الاعتبارية الأمريكية حيث ان قوة الدولار تعني القوة والكرامة الامريكيتين خصوصا وانه بعد خروج الحلفاء من الحرب الثانية بأكاليل النصر صار الدولار سيداً لا يطاول بل أصبح غطاء ثمينا لعملات دول كثيرة.. واصبح معظم الادخار العالمي بالدولار.. واصبح وسيلة الدفع الأولى في العالم والولايات المتحدة لا تغفل هذا بالتأكيد. كما أن انخفاض العملة الامريكية يعني ارتفاع قيمة الواردات الى السوق الامريكية وهي حركة هائلة جدا حيث تعتبر السوق الامريكية من أوسع الاسواق المستهدفة عالميا.. ولا يجب ان ننسى ابدا العجز الفلكي الذي تعاني منه الميزانية الأمريكية ومعلوم أنها أكبر مقترض على وجه الأرض. أن انخفاض الين يؤثر على قابلية الناس في الاحتفاظ بالدولار مما يعني ان تلجأ الحكومة الأمريكية الى رفع قيمة الفائدة لجذب السيولة لسد شيء من العجز الفيدرالي.. ان البسطاء الامريكيين يرون وهذا جانب سيكولوجي اجتماعي هام ان من العار ان ينهزم الدولار أمام اليابانيين والألمان... اعداء الأمس!
 
وأود في حلقة قادمة نقاش مصير العملات المرتبطة بشكل كبير ومباشر مع هذا العملاق المريض!