فيما يرى النائم
سنة النشر : 14/02/1995
الصحيفة : عكاظ
رأيت فيما يرى النائم أن لجنة من ذوي الافكار الاستكشــافيـة والمقدرات الفكرية الاستراتيجية وهم النخبة المصفاة من ذوي الخبرات المتفوقة الاقتصادية واللوجستيكية والديموغرافية والقانونية والسياسية قد شكلت ، وأمامها هدف عملاق وهو ايجاد رافد اقتصادي دائم وكبير للبلاد تحتاجه كميزة هامة للفعاليات التجارية العالمية. وبعد اجتماعات ومداولات للجنة الفائقة استعرض الجغرافيون أولا الموقع الجغرافي للبلاد.. فانك ان استعرضت خارطة العالم.. أو تلك الصور التي تلتقطها مجسات الاقمار الصناعية تجد أن لبلدك تكويناً- غير موقعه الاستراتيجي الوسطي في العالم- يمتاز بتكويناته الطبيعية التي ترسم النهايتين الطرفيتين القارتين الاسيوية والأوروبية ويثقب البحران الخليج العربي والبحر الاحمر اليابسة بخندقين مائيين ليرسما ضلعي إطار رائع يحتوي الجزيرة ويجعل الخارطة العالمية بدونهما وبالذات عند التقاء القارتين القديمتين كتلا ضخمة مختلفة المعالم.. أن الشكل الانيق للجزيرة هو الذي يعطي الانسياب الرشيق للقرن الافريقي والانفراجة الواضحة للحدود الجنوبية الغربية القارة الاسيوية العظمى وإننا لا نجافي حقيقة عندما نلاحظ ان المطلع على خارطة الكرة الارضية يتجه نظره مباشرة إلى شبه الجزيرة العربية ليفصل ذهنه حدود القارات واتجاهات المعالم. ومضى الجغرافيون يوضحون للادمغة المجتمعة هذه الحقائق كميزة جغرافية تكوينية كبرى ، وهنا ومض عقل أحد المخططين اللوجستيكيين وعلق قائلاً إن هذا يقودنا الى تصور القارتين كما لو كانتا بوابتين ماردتين والجزيرة مفاصلهما.. بمعنى أن المفاصل هي التي في التقاء هاتين البوابتين وتساعد على انفراجهما. مما يقود أيضا الى تفكيرنا نظريا في هذه المرحلة ان هذا الواقع المفصلي- وليكن هذا اصطلاحاً أمل أن تقبلوه- يعطينا عنصرين في الميزة التي تتطارح رؤانا فيها. وهما الموقع المتوسط للمرور والعبور وعنصر الالتقاء والربط والتحكم.. وشعر أعضاء اللجنة ذوو العقول الادراكية الرحبة أن فكرة هائلة ما بدأت بالتشخص ومازالت شكلا هلاميا لم يجتمع شتاته او تلم اطرافه.. وغابت الشمس عن ذلك اليوم واعضاء اللجنة النابهون تؤرقهم بدايات فكرة عظمى...
وفي اجتماعهم باكراً مع أشراقة شمس اليوم الجديد رأى الاقتصاديون أن لديهم طرحاً لقولبة الانطباعات.. الرؤى والاستشفافات السابقة، وانتدبوا احدهم لتفسير نظرتهم الاقتصادية للموضوع دار بعينيه النفاذتين على وجوه زملائه المصغية بانتباه عميق ، وبدأ يتحدث بنبراته الهادئة شارحاً نظريته الاقتصادية الطموح إننا ياسادة تتوسط العالم وتأخذ شكلا تضاريسيا جيولوجيا تكوينياً يجعلنا ـ كما قال اللوجستيكيون والجغرافيون- مفصلاً من مفاصل البوابات القارية الكبرى في الأرض ، ولدينا في جهتي القارتين قناتان مائيتان احداهما تبزغ من محيط والأخرى تصعد من محيط لتلتقي في الوريد العالمي البحري التليد البحر المتوسط ، ليقود للبحار الشمالية ونحن معشر الاقتصاديين تهمنا دوماً الكلمة السحرية ( الميزة الاقتصادية) كما تطربنا ( القيمة المضافة).. والاقتصاد العالمي في توجهه الأخير للمنافسات والسباقات المفتوحة يركز على تقليل التكلفة لتحقيق الميزة السعرية كرأس حربة حاد لاختراق اجساد الاسواق المتناثرة عبر العالم.. واهم عوامل تقليل هذه التكاليف هي عوامل السرعة في اختصار المسافة والوقت وحجم الكميات من البضائع والسلع المنقولة.. وهنا بسط محدثنا خارطة الجزيرة وقال سنضع على الخليج مناطق كبرى مفتوحة وعالية التأهيل والخبرات المتعلقة بالنقل التجاري وبيوتات المال والادارة والتقنية المرتبطة بهما مع كل الخدمات الداعمة كالنشاطات التأمينية والحمايات القانونية ووسائل الامن لاستقبال كل ما يرد من اسيا واستراليا عن طريق الموانىء الكبرى العالمية التجهيز.. وستمر شبكة من الخطوط الحديدية الدقيقة التشغيل عبر الجزيرة لنقل البضائع الى مناطق محددة على البحر الاحمر بكامل تأهيلها البنائي الاساسي مثل تلك التي حددناها في الطرف الشرقي ليعاد نقل البضائع الى الشمال.. ولا ننسى أن تلك النشاطات الرئيسية ستخلق مناخات وبيئات لآلاف الانشطة التي ستنتفع منها المنطقة مباشرة لتضيف ازدهارا للاموال والخبرة والحيوية في المجتمعات التجارية المحلية.. وستنتقل مصنوعات اليابان ونمور الباسفيك وأقاليم الصين الجنوبية والمواد الخام من جنوب شرق آسيا والهند وباكستان وبورما وتايلاند الى اوروبا وشمالا حتى الولايات المتحدة وكندا وجرينلاند.. ثم أن العكس صحيح في تلقي منتجات القارة الأوروبية والامريكية ضمن التبادل التجاري الدولي الدينامي الذي لا يتوقف بل يتنامي باطراد.. وستزدهر لدينا خبرات واصول النقل بحرا وبرا وحتى جوا ، ليكون ( النقل) هو الهدف الذي وضع أمامنا لكي نضع رافدا دائماً يعطي اقتصادنا هذا الترياق الذي نبحث عنه الميزة الاقتصادية الكبرى... رمى نظراته الثاقبة على زملائه اعلاناً لنهاية شرحه الرؤية الاقتصادية.. وإذ بالجميع يلتفت الى القانونيين وخبراء العلوم السياسية للخروج بالنظام النهائي لشروط وقوانين وارتباطات هذه النظرية. وهنا ماجت الرؤى وبدأ يختلط الضباب بأنوار الصباح... وراح كل ذلك بأرشيف الأحلام.
وفي جرائد الصباح كانت العناوين ( كتل اقتصادية هنا وهناك.. وأما السوق العربية اجتماعات هنا.. وهناك..).