الجات .. الآن من يزدهر؟
سنة النشر : 27/12/1994
الصحيفة : عكاظ
كنت متأكدا بأن الرئيس الأمريكي سيمرر اتفاقية الجات (جولة الأورغواي) وسيكسب تأييدا لانضمام بلاده إلى الاتفاقية.. فكانت كل المؤشرات تعزز هذا التأكيد.. فلقد مرت السنتان الأوليان وهو يحصد اخفاقات كثيرة منذ بداية عهده وبالذات تلك التي رامن عليها في تحديه للجمهوريين والتفوق والصفات الشهيرة التي أطلقها على الرئيس السابق جورج بوش وإدارته في معسكره الانتخابي عام ١٩٩٢. فقد لاقت طموحاته الضريبية صعوبات كبيرة وبدأت تأخذ اتجاهات معاكسة لما وعد فيه منتخبيه وبرنامجه الصحي ( الباعث الأمل للأمة والتي تعهدات برامجه واصلاحاته السيدة الأولى هيلاري كلينتون تعثر في وحول أروقة اللجان الدستورية وتعقيدات الغطاءات التامينية ، وبداية في البنية الأساسية للخدمات الصحية والمستشفيات والمعاهد المختلفة. وجاءت قاصمة الظهر بفضائح بيتها القانوني والتي أخذت إطارا فضائحيا على النمط الأمريكي تحت مسمی ووتر وايت وفضائح وقصص أخرى. على ان الانتخابات النصفية والتي كانت نصرا مؤزرا الخصومه الجمهوريين جعلت بقية مدة الرئاسة كمن يسير بعكازة واحدة وقابلة للشرخ في أي لحظة. الا ان بارقة الأمل المضيئة في سماء كلينتون الطلبدة بالقصام والسحب هي تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية وبدء تحسن معدل النمو السنوي وزيادة الصادرات الصناعية وتحرك الصناعات العملاقة وتململ ديترويت من سبات الثمانينيات وبث الدماء في صناعة السيارات.. ولقد اتخذ كلينتون منهما عنيدا ومثابرا في ( متابعة خطة بوش) في فك الحصار عن السوق الياباني المقفل وجاهد اليابانيين في ذلك حتى أوشكوا على رفع رايات القبول. ثم أنه كان صقرا في ضمن صفوف حزبه الديموقراطي نجح في انتزاع موافقة الكونجرس على اتفاقية التجارة الحرة لامريكا الشمالية ( النافتا).. وبدا ولع ادارة كلينتون في الانضمام وقيادة ومراقبة التكتلات الاقتصادية من الاطلنطي الى الباسفيك. ورأيت انه كان يتمتع في كل لحظة في اجتماعات الايبك الاخيرة اندونيسيا.. أن عدم الانتصار في ( الجات) امام الكونجرس كان سيكون شيئا كرصاصة الرحمة لرئاسة كلينتون.. ولكنه كان ماضيا في كان يعرف كيف يكسب كل معاركها حتى وصلها إلى أمها جميعا معركة الجهات التي خطط لها منذ اكثر من عام باناة مع دعم اعلامي رائع.. جعل كبار منتجي الاغذية الامريكيين يغيبون في. غطرسة انتشاء جعل أحد كبارهم يقول.. سنزرع قمحاً أكثر ، وسنربي قطعانا أكبر.. وستأكل السوق الاوروبية!! ولكن لماذا الجات ماذا تريد الولايات المتحدة من (الجــات)؟ ولماذا تخطط للانضمام الى هذا المحفل السوقي الكوني.. وفي جيبها التكتلات الاقتصادية الأخرى. وماذا سيكون تبرير امريكا المنظمة التجارة العالمية الوليدة في سعيها المتواصل لتعزيز التكتلات القارية وشبة النارية ؟ لابد ان الامريكان يخططون لشيء ماه قية الجات الواسعة بظهر ان تحرير الفرض والتبادلات التجارية لن يكون بالعدل والمساواة النظريين ، بل ستلعب الهيمنة والقوى دورهما الطبيعي الذي عرفناه منذ عرفنا التاريخ فالأمريكيون سياتين الجات وهم معزنين بقدراتهم الأسطورية ومقدراتهم الهائلة وشركاتهم الماردة وصناع السياسة والقرارات ومعاهد وعلماء الاقتصاد والتسويق الدوليين ومعهم كذيل الشهاب المجموعات التي ارتبطت مباشرة بالاتفاقيات والمعاهدات التجارية مع الولايات المتحدة لتكون السوق بحد ذاتها سوقاً هائلة قارية داخل السوق الأرضي المفتوح مما يعني وضع الخنادق من الآن) ولكن بشكل أخر بعد زوال الحواجز الجمركية والدعم الحمائي المباشر وغير المباشر) أمام اليابانيين الذين كادوا ان يلتهموا السون الأمريكية ذاتها بعد ان مضغوا معظم اسواق آسيا وأفريقيا.. ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة ستتبع نفس أنماط التحالفات العسكرية والسياسية ايام الحرب الباردة ، بل ان الامريكيين يتوجسون من التكالب الاوروبي والانفتاحات التي شهدها الأوروبيون مؤخراً بين دولهم في التنظيم سات السياسية والاقتصادية ، وأترجم أنا الحساسية الأمريكية من التوحد القاري في اوروبا عن طريق ترمومتر حساس جدا وهو « الجزيرة البريطانية التي تنغص منذ المرأة الحديدية على الحلم الوحدوي الأوروبي زارعة الكوابيس والارق في رؤوس آباء الوحدة- الحلم منذ شطحات الجنرال ديجول. وقد تنبثنا العقود القادمة أن دخول الانجليز للقارة مثل دخول حصان طروادة الشهير.. فمن يدري ؟.. ان مخططي الاقتصاد الامريكي يقتنصون فرصة التجارة العالمية الحرة التي تحقق اعفاءات ووفرا بمقدار يصل الى الثمانمائة بليون دولار عبر العالم في العشر سترات القادمة.. والعجز في الميزانية الأمريكية يحتاج الى كل سنت من هذه المبالغ.. وستحقق حتى عام ۲۰۰۰ مئات الآلاف من فرص العمل للطابور المتضخم من العاطلين وبالطبع ستجنى الفائدة مع الأمريكيين الدول التي تسير في ركابها الآن... والحواضر المزدهرة في شرق اسيا.. وتبدو الدلائل لدى المراقبين بأن الاقتصاد البرازيلي وبوليفيا سيكونان من أكبر المستفيدين من الجات بل ان انتعاشات كبرى بدأت تبدو على جسد الاقتصاد البرازيلي المسجى في غرفة العناية القصوى في ردهات صندوق النقد الدولي وبنوك العالم منذ عقد أو أكثر من الزمن. وتدل احصاءات صندوق النقد الدولي IM.F على أن اقتصاد العالم بدأ يخرج من دوائر الركود الاقتصادي وسينمو بمعدل ٣٠٦ ٪ في العام القادم.. لمن سيحصه ، هذا النمو. بالطبع سيذهب معظمه الى الولايات المتحدة واليابان وأوروبا أنها لن تكسب أوروبا انتعاشا في مستوى المعيشة رغم هذا النمو. فالبطالة ستزداد بالذات في كل من فرنسا والمانيا وذلك بسبب مشاكل جانبية بعيدا عن الجات.. مثل مشاكل نقابات العمال التي تجعل اصحاب الوظائف يترددون في قبول استخدامات عمالية جديدة.. ولكن الصين ستحقق تقدما خرافيا ( يصل الى ( ١٠) وربعا كان هذا أحد الأسباب التي من أجلها توضيه امامها العراقيل للدخول للجات بحجة الاصلاحات ورغبتها في الانضمام كدولة من العالم الثالث.. والارقام المتفوقة ستذهب بعد الصين الى كل من تايلاند وماليزيا وفيتنام بمعدل ٨ ٪)... ولكن هناك من سيدفع ثمن هذه المكاسب ؟ أنها الدول التي مازالت غارقة في فوضاها العارمة وعدم تبويب مصالحها الاستراتيجية في عالم يتجه كله الآن الى التخطيط الاقتصادي المتسم بالمحافظة والدقة في التراحي الاقتصادية بالذات. فالجات في النهاية ليست ضررا كلها أو شرا كلها.. العيم كيف يستفاد من فرصة الجـات.. ان كانت فرصة. أو خيارا لابد منه..