ويأتيك بالأخبار من لم تزود

سنة النشر : 08/11/1994 الصحيفة : عكاظ

 
لقد ضاقت انفسنا وألهبت الانباء والاخبار السيئة والمريعة والكوارثية عقولنا ومشاعرنا.. وقلوبنا.. ولم تعد نعطى حتى الفرصة لالتقاط الانفاس وتنسم الراحة بين الخبر والآخر.. وانما تيار غضوب جارف يقيدنا حتى من السباحة او محاولة السياحة. ومع هذا التقدم الذي انطلق بلا أناة.. وبلا مكابح.. وبلا رحمة في وسائل الاتصال فقدنا الاختيار حتى عن الغلاق العيون او سد الاذان.. حوصرنا بوسائل الاخبار والأنباء بصورة مؤيدة وكانه عقاب الغريقي ، بل انه فاقه باستمراريته الدقاقة وشموليته الكاملة لاهل الكوكب اجمعين. وادعوكم هنا.. وادعو نفسي لمطالعة بعض الاخبار التي تطل باستحياء.. ووراء حجب ولكن با شعاع مضيء غامر يزرع الأمل و يحيي الرجاء.. والخبر السعيد الاول هو هذه البشائر التي زفت الينا من قبل البلقان حيث الصراع الجائر والاليم في يوغسلافيا المفككة والنزف الهائل للدماء ، والكرامة وانسانية الانسان في أقاليم البوسنة والهرسك المسلمة ومعها افئدة المسلمين عبر الارض التي تملك فقط ان تتألم مع كل قطرة دم وصرخة طفل واستغاثة امرأة.. وقد كنت اعتقد شخصيا بان الهزيمة كتبت بشكل قاطع لاخواننا المسلمين هناك.. او عليهم.. وان لاسبيل دون ذلك فقد اجتمعت الغلبة والسلاح والعتاد للصرب الذين ملاتهم احقاد من التاريخ واطارت صوابهم صرخات للانتقام من تسخير خبيث لاحداث الفتوحات التركية وانتشار الدين الاسلامي منذ القرن الخامس عشر.. وبانت معارك مثل « كوفو » تنحت في قلوبهم.. وتوشم بها ضمائرهم من حقبة الى حقبة ومن جيل الى جيل.. ولقد تضافر مع: هذه اللوحة.. السوداوية المؤلمة من القهر والعذاب اكتمال دوائر التأمر والتخطيط ضد هذه الاقلية المسلمة المعزولة السلاح وبالذات من كنائس الأرثوذكس المترامية في شرق وجنوب القارة الاوروبية وملحقاتها وقنواتها ودونها- ولم يسلبوا حق الدفاع بمنع السلاح فحسب على سلبوا الاستجابة الغزيزية في اسماع صرخات الالم ونحيب الضيم.. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. ولقدرة لا استطيع تفسيرها.. ولا اود حتى محاولة ذلك.. انقلبت الأحداث فجاة وبدون مبررات واقعية واضحة وان نجم محللو السياسة وبدأت مسيرة ظافرة من النجاحات البوسنية ، واكتساح الأراضي التي نهبها الصرب.. بل بدأ ابناء الكنيسة الكاثوليكية من اهل كرواتيا بالانضمام مع ( الهجوم الإسلامي وهذا عائد كما أرى لأمرين أولهما الحقد الغائر وطاقة الانتقام الكامنة من قبل الكرواتيين على تاريخ من الدماء المسفوحة والتنكيل الشنيع من ذكريات صربية جبلت مع ذاكرة الكروات وخلطت مع دمائهم.. وثانيهما.. وهو ( مهم هنا) الاحساس النابع من معرفة قريبة بان الموازين انقلبت لصالح الفريق الاسلامي.. وهذا ما ندعو له جميعا... ونصلي من أجله...
 
أما الخبر السعيد الثاني فهو يتعلق بالبيئة وسلامة هذا الكوكب الذي نعيش فيه ولاتملك له حتى الآن على الاقل- بديلا.. فانني اعترف انني كنت من المتشائمين جدا في هذا الموضوع جازما بان التلوث بات مصيرا لايمكن تفاديه وسيفا قاطعاقد هوى.. وربما كان ذلك من قراءاتي ومطالعاتي المتعددة في هذا الموضوع ومن كبار کتاب دعاة البيئة واصدقاء الارض.. ولقد كنت انهيت مؤخرا كتابين يعتبران منارتين في ملحمة الكتابة عن البيئة وهما كتابان صفمان احدهما بعنوان الكوكب الوحيد الذي تملكه ThE Only PLANET WEhaVE والآخر بعنوان الكوكب الغاضب ( ThE ANGRY EARTh) والكتابان لا يكتفيان بالدفاع عن السلامة البيئية والحفاظ على الهيات الطبيعية الالهية من الغابات المطرية حتى الغلاف الأوزوني بل ذهبا بعيدا إلى نفض يديهما من محاولات الانقاذ والتحذير واعلنا بوضوح وبصوت مذبوح كما في الكتاب الثاني بأن اللين قد سكب.. وان الفرص جميعها قد ضاعت وصرنا الان فى مرحلة بالغة التأخير في محاولة للاصلاح او ترميم ما أفسده الانسان في بيئته منذ بدايته ويكشف الكتاب ان اروع مظاهر التلوث قد ساد في ازدهار الحضارة الرومانية- حين استعملت نساء روما.. ونساء اثينا الرصاص بكثرة الخلطه في المواد التجميلية وتسممت المياه بشكل كبير ومباشر. والكتاب الثاني هذا خطير جدا الذي بعنوان ( الكوكب الغاضب ويباع في مكتباتنا وحيث انني اكتب الان بعيدا عن مصادري بل بعيداً حتى عن بلسدي فقد تمنعت المذاكرة عن معونتي في استرجاع اسمي المؤلفين وهما اننا من كبار البينويين) وانما احدهما الكاتب الأشهر (اسحق عظيوف).. ومصدر خطورته أن ينحي باللائمة على البترول بأنه سبب كل مويقات التلوث في العالم ويشتمه اى النقط شتما مريرا.. ويكاد يتطاول حتى على أولئك الذين يعيشون فوقه واصبو الى وقت سانح اخر الطرق فيه عن موضوع الكتاب بهذا الشأن.. هذه القراءات المتواصلة والأخبار التي تتطاير عن أنباء الكوارث البيئية البحرية والنهرية والامطار الحمضية وتلوث المياه الجوفية واقتلاع الاشجار وتسرب الاشعاعات الفوق بنفسجية جعلت شخصا هلعا مثلي يرى نهاية وشيكة للعالم- والحضارة- الى ان قرأت أخباراً من مصادر متعددة في مجلات عامة كالتايم ومتخصصة مثل الناشيونال جيوغرافيك باكتشافات مذهلة في تنقية الترميم البيئوي) والاستفادة من الخارج الصناعي وبقايسا المنتجات.. ولقد اصبحت هذه الاعمال ليس فقط اهدافا طوباوية وخلاصية من قبل علماء رواد يحدوهم انقاذ البشرية بل اصبحت ( مطمعا) لرجال الاعمال وطلاب الثروة وهذا سر سعادتي.. فهذه الفئة من الناس تضع الربح أولا قان صارت في طريق الخراب شبط الدمار.. وأن سارت في طريق الإصلاح عم العمار. فقد صارت الان ( الصناعات البيئية) اعمالا ناجحة كبرى- ففي الولايات المتحدة والمانيا.. واليابان تعيش صناعات اعادة التدوير ( RECYCLING) نجاحات فائقة.. حيث تجمع بقايا وخردة المعادن ( كالحديد والالمنيوم. ويعاد تصنيعها بتقنيات عالية وبتكاليف مدروسة بل أن هناك معرضا يقام الآن في نيويورك عن منتجات صناعات اعادة التدوير وهي متعددة وكثيرة).. وفي معامل امريكا واليابان افكار توشك على التطبيق في مجالات تنقية الهواء.. وجلب الامطار النظيفة. والانماء المتسارع للغابات والتطهير البيولوجي) للانهار والتربة والبحار. ما سيجعل ربما.. وبقدرة الله.. التلوث موضوعا ( يمكن مناقشته.. وربما صار اليوم الذي تظهر فيه الارض صحية لامعة.. قريبا...