صندوق الهند | شخص جديد

سنة النشر : 18/10/1994 الصحيفة : عكاظ

 
في ذلك اليوم الذي تلا ليلة عقد القران وهو ذات اليوم الذي أحضر فيه آل الثامر ذلك الصندوق الموشي بالنحاس اللامع كالذهب والمصنوع من خشب عميق السواد نفاذ الرائحة من ضمن الهدايا التي قدمت للعروس ( هيا) تغير شيء هام في الزمن الراكد لدحيم.. في ذلك اليوم ثم يخرج للفلاحة عمله اليومي ( قدره اليومي... كان يوما بهيجا عريضاً املات فيه الدار بالغالين والرائحين ، وكثرت فيه المآدب والتجمعات.. كان يوما بدأت تتحرك فيه صفحات الزمن الجامدة. والتي ظن أنها تجمدت الى الابد ولم يكن هذا هو اهم الاحداث ان التغيير الصاعق والتحول الشاهق كان ذلك الذي قلب كيانه في الداخل كانه بشخص قادم مقتحم جديد يجاهد الاخراج شخصيته التي عرفها ويحل محلها.. وفي عقله بدأت افكار وخطط نخوض في رأسه وتكاد من تزاحمها وضجيجها ان تخرج من لوحة دماغه. ولقد زاد اصطحاب الوجيب في قلبه مما بدأ يذر فيه عن عزم دفاق لم بعهده من قبل هذه الاحداث والتغييرات فجرها الصندوق صندوق الهند.. سارت القرية لاتسعه واحس انها سجن يضيف شيئا فشيئا وأن كل ما يفعله ومايراه أشياء تقترب رويدا التعصره. وتهصر أضلاعه.. وتخنق انفاسه القد سكنت فئة من الجن لا تبغى الهجوع ، وتودان تنتقل.. أن تطير هذا ماخته دحيم.. والظن لا يعني له شيئا.. ان كل ما يسري في كل عروقه في الدفاعات جامعة الخروج من القرية.. الرحيل... هذا ماعنى له كل شيء!
 
لقد تفاقمت رغبة السفر الى هاجس ملح. ولكن الى اين.. وكيف. هل يغادر لطلب التجارة والرزق مع عبد العزيز الثامر الى الشام.. ولكن كيف يتأنى له هذا وهو لا يملك ما ينجربه.. ولا يعرف ابجديات النجارة.. ولكنه يعرف الجواب الجواب كامن لدى الصندوق الاتي مشعا باذخا ساحرا من بعيد.. كل من في القرية يتحدث عن هذا الصندوق.. وكل الأمهات يحلمن بمثله لبناتهن.. فلينتتبع محطات طريق هذا الصندوق للوصول إلى منبعه أو الوقوف في احمدي محطاته أو النكوص من أول الدرب. ولينتبه قدره ومصيره. ريدة دحيم من محفين الواصل ، اتجه في عصر نات اليوم الى سليمان الراصل والذي كان مكيا كالعادة على فرز الارزاق والبضائع وتسجيلها بتلك البد التارفة على الاوراق المنشورة حوله.. حياه سليمان بصوت الرخيم وكلماته العذبة.. وبادرة دحيم قائلا هل تاتمن السر ورد سليمان متفاجئا في بئر عميق باذن الله... تلفت لحيم يمنة ويسرة كانه يخاف ان يراه أحد أو ينصت متطفل إلى حديثه وواصل.. انت تعلم باسليمان ان ابو عبد العزيز الثامر كان قد وصلكم على صندوق من الكويت وقاطعه سليمان... نعم وكيف لا أعرف ذلك انه صندوق الهند الذي اراده الصباحة زواج ابنه عبد العزيز.. وماذا في ذلك ؟ ورد دحيم نعم أخيرني من أين جاء؟ ومن الكمية الكعب الايمان: لقد أتانا من وكيلنا في الكويت (يحيى الدباس). وهم معروفون أي ال الدباس بأنهم أيضا ( مواشية) يتاجرون باللؤلؤ مع فصل عمان وزنجبار والهند وتحضر مراكيهم من مناك الارزاق والبهار والبضائع.. ولنا حصة معروفة ترسل لنا من هناك كلما وصلت مراكبهم مع قافلة من سعفان والصندوق وصلنا مع البضاعة التي وصلت مع مركبهم القادم من ( بمبي).. وقاطعه دحيم وماهي ( بعبي) أسمع بها ولا أدري أين تكون وبيسمة مدركة يفهمه سليمان أنها من عدن الهند العظيمة الزاخرة...
 
ووثب سليمان فجأة.. وقال لدحيم ساريك شيئا وصل مع بضاعة الهند.. ولم يره أحد حتى ولا أبي دخل سليمان ممرا كان خلفه المستودع المكدسة فيه البضائع والصناديق والاشولة. واتجه سريعا الى خزانة متداعية دس فيها المفتاح وأخرج أوراقا مطوية. وبدأ بفتح صفحاتها امام دحيم الذي تراقصت عيناه وشرع فعه الى نهايته مبهوتا ، توقع سليمان ذلك وراح يشرح لدحيم.. هذه اسمها « جرنال يادحيم ، وهي تعمل هناك في بمبى.. ولا أدرى ما معنى جرنال ولكن هذا ما كتبه لي يحيى الدباس في خطه الذي وصلني مع ابن سعفان. هذه هي بمبى المدينة التي مارات عين أنس ولاجن أكبر وأبهى وأغنى منها.. مدينة الاعاجيب والسحر.. انظر هنا ياد خيم هذه التي تشبه الجبال الضخمة هي دورهم.. وهذا الذي يسمونه « الترين كالافعى الطويلة وفي أحشائه ناس اكثر من اهل ديرتنا أنظر.. يارحيم.. وانظر.. ودحيم نقل الى عوالم أخرى.. نهض بغتة وقال بصرامة وثبات يا سليمان أريد أن تساعدني كي أخرج وأطلب الرزق خارج الديرة اريد ان اذهب الى يعبي. وفوجي سليمان واطلق رغما عنه ضحكة مجلجلة عظيمة واغرورقت عيناه بالدموع من فرط الضحك.. وكان يجاهد لاخماده. الا انها تنطلق حدوية مرة أخرى كلما نظر إلى وجه دحيم... أحس دحيم بخيبة مزقت احشاءه وبلغ حرجا عظيما.. وكاد أن يفر من وجه سليمان الفارق في الضحك الى حيث لايراه طيلة حياته لولا الشوق العظيم والتوق الأسر الى الرحيل... اثقالا حتى الاخبار من الهلع والحرج. غالب سليمان الصالحي القالب بعد ان قرأ التوسل والضياع في تعابير عيني دحيم.. يعني مرة واحدة بادحيم ودونها البحار والأهوال... اتركب الماء وانت لم تره في حياتك وفيه من الهوام والرياح ما يذيب المراكب وياكل الرجال ؟ ودونها المعرفة والرطانة والغربة الكاسرة.. ولكنك تريد الرزق.. سأساعدك بشرط أن تستأذن والدك.. عندها ستذهب غدا الى الكويت مع قافلة ابن سعفان وساوصي لك يحيى الدباس ليؤمن لك عملا تسترزق منه عسى الله أن يفتح عليك..
 
ومادت الأرض من تحت دحيم واحس بانطلاقة فرحة عظيمة.. وتجرد اعظم. لقد تحقق الحلم السريع سريعا.. وليكن الي الكويت. أليست هي محطة في درب صندوق الهند.. وقد تكون محطة انتقال وعبور. وقد تقف الاحوال والظروف لتكون محل استيطان وقرار انه الكتاب الذي رمى الجمود.. وبدأت الصفحات تتحرك سراعا.. وتنقلب فجأة من حال الى حال.. ومن مكان الى مكان.. لقد ألقيت صخرة كالصاعقة في الغدير الساكن وكان الدوي هائلا انها ليست صخرة.. بل سيل من الاحجار يهمي بلا انقطاع لقد ثارت أعضاء واشياء داخل جسده لم يشعر انها في داخله قط قبل الحدث الجديد.. القلب يضرب سريعا ولا يهدأ.. والدماء تصعد وتهبط ولا تنقطع والافكار تضع في الرأس ولا تستكين.. أنه على حافة جب عميق لأبري له قرار.. والغرابة أنه يشعر بسعادة لاترد ولا تقاوم بالقاء نفسه فيه وبدون حبل النجاة.
 
أن الفرح الشقى يمسك بتلابيبه ويطوح به نشوانا.. ولكن العقبة الأولى.. العقبة الكبرى... كيف سيخبر الأهل بذلك.. ومغصه قلبه مقصًا مؤلما.