الامتحان بين الهدف .. والوسيلة
سنة النشر : 28/06/1994
الصحيفة : عكاظ
عبر البلاد هذه الايام لا يخلو منزل من إعلان حالة من الطواريء وشـــــد الاعصاب وتكريس الوقت وتغيير الجدول اليومي وذلك السببين أحدهما يتكرر حوليا والآخر فرضته أحداث استثنائية الأول هو الامتحانات المدرسية الخاصة بنهاية كل عام دراسي والآخر مسابقة كرة القدم العالمية.. وسيكون حديثنا اليوم عن السبب الأول وسياتي لاحقا في منا المقال الداعي من الاشارة للسبب الثاني. لقد أوسع الباحثون والمربون والمهتمون في التطرق الى الامتحانات منهاجا وأثراً وطريقة.. وسلوكاً.. ولن آتي بجديد في هذا الموضوع وإن كنت من الداعين إلى تشكيل لجنة عليا ودائمة من متخصصين في مجالات التربية والتعليم والسلوكيات والتقنية المتابعة المناهج والطرق المطبقة حاليا ودراسة آثارها وتقويم أدائها ومسالكها وتعزيز المتميز فيها هذا من جهة.. ومن جهة اخرى مراقبة التقدم التكنولوجي والتعليمي في العالم وبالذات ملاحقة التطورات المذهلة: الحقول المعلوماتية والبحث في كيفية التعامل المرن للواء المنهجي المطبق في مدارسنا وجامعاتنا معها وذلك ليكون طلبتنا وطالباتنا دوما في المركبة العلمية للعصر..! ولقد أحسن القائمون على منها جنا الدراسي صنعا في ربط التلميذ من الصفوف المبكرة الى المراحل المتقدمة بقسط دائم وكبير يعلوم دينهم الحنيف وعلوم أمتهم التراثية ولا شك أن التواصل في هذا المنحى سيعزز من الاتزان النفسي والروحي والفكري في التعامل مع معطيات العصر الشاسعة.. اتما امعه أود أن أشير إلى معاناة وظاهرة أساسية يعاني منها تلاميذنا ـ أو بشكل صحيح ظاهرة يتسم بها تلاميذنا وتلاميذ وطلاب أمم متعددة غيرنا.. وهي الضياع بين الوسائل والاهداف وهنا مكمن تقدم افراد عن اترابهم، وسر تقدم مجتمعات وتأخر مجتمعات أخرى. فالكثير من الطلاب يرى الدراسة والاستذكار ليست استيعابا بل هي تعبئة المعركة قادمة وتلكم هي الامتحانات وهذه التعبئة مؤقتة ترمى اسلحتها كما ترمى الادوات ذات الاستخدام لمرة واحدة. وتترك للأبد.. بل وترمى الكتب الثمينة في جنبات المدارس وفي أنهار الطرق وتتطاير صفحاتها مع الريح ومعها المعلومات التي حبست في الرؤوس الى يوم مشهود.. ولقلماً رأيت أحدا- واتمنى أن أكون مخطئا- يحتفظ بكتبه الدراسية في مكتبته كما يحتفظ بسائر الكتب الاخرى او بمجلات التسلية والصور الهزلية... اذن المسألة لم تعد كما قلنا استيعابا يمشي ويكبر مع العقل مادام الدماغ عاملا ليتعاطى مع مسائلها الحياتية اليوم في المدرسة وغدا في العمل.. والعائلة وأحداث الحياة.. فكان الامتحان هو الهدف والدراسة وسيلة لتخطي هذا الهدف أو النجاح فيه وبعدها الدورات في الفراغ حتى هدف مرحلي آخر اي امتحان دراسي قادم- والآن نجد شكوى متكررة بعدم أهلية المتخرجين الجدد ومقارنتهم بالاجيال القديمة التي فاقتهم مثابرة وجدية ونضوجا وتسمع هذه الشكوى هنا.. وفي البلدان العربية.. في أوروبا وأمريكا ولكن بنسب متفاوتة ، وبين هذا التفاوت يقع مقدار تقدم وعدم تقدم الأمم.. وهذه الظاهرة علة يدركها العارفون بأمور العلم والتعليم ولا بد من العمل الحثيث لايجاد. حل لها والخروج من دائرة الجري والهلع والتعبئة لدى الطالب ، ولدى عائلته للخروج والنجاة من أيام الامتحانات.. وأرى بمنظار القاصر أن بدء الخروج من هذه الحلقة هو توجيه العقل والضمير لدى الطالب وعند المجتمع من السؤال التقليدي.. ماذا ندرس ؟ الى التساؤل الايجابي الرحب وهو لماذا ندرس؟..
فإن الجاري حاليا هو الاعتكاف لدراسة المواد التعليمية وربما حفظ ما بها من الغلاف الى الغلاف ويغيب عن الأغلبية.. لماذا. تدرس هذه المادة ؟.. بل ماهية هذا المادة ؟ وكيف نشأت هذه المادة ؟! وفي الأساس ما الحاجة التي دفعت إلى نشوء هذه المادة ، أو هذا العلم ، وبهذا فاننا ندير العقل العام في المدارس وفي الجامعة لدى الطالب ولدى المدرس الى الأدراك العام للعلم وفهم معناه وسبب الحاجة اليه ودوره في الحياة خارج الحرم الدراسي والجا والجامعي.. أنه بعبارة أخرى ج من أسر الاطار لادراك الصورة الخروج داخل الاطار وادراك الاطار بذاته قبل الولوج الى تكوينات وجزئيات الصورة.. والا يصبح صالنا-- كما هو الآن- السياحة في تيار الاجزاء بدون لملمة حدود الكل.. أن تكون المهمة هي لوي النظرة العامة الى دق الاجراس دوما لتطبيقات العلم ان لم يكن بشكل مستم ورة لا تنقطع.. ولكم فوجئنا وباصدار متواصل جيلا بعد جيل.. وصفا بعد صف بالهوة التي تفصلنا بين التحصيل النظري والمعرفة الأكاديمية وبين الواقع التطبيقي والمهارة العملية.. الغرض اذن الايفاجا الدارس بعد انتهاء تحصيله بالواقع عند ابتداء حياة ما بعد التحصيل... وانني اسوق اعترافا أمامكم عندما شعرت بالخجل الشديد حين التقيت بأحد زملاء الدراسة الجامعية في مهمة عملية وأشار علي بتطبيق تلك النظرية التي درسناها في أحد الصفوف ضمن احدى المواد قبل سنين فيما نحن في شأنه من امور عملنا.. وابتسمت محرجا فأنا لم أعد اذكر او اكثر صراحة لم أعد اعرف من تلك النظرية الا عنوانها. و عرفت آنذاك -والآن- سبب نجاجات الرجل في عمله لقد ادرك منذ زمن الهوة بين التحصيل والمواقع وبني جسوره بينهما. السر يكمن في أن العلوم وجدت لتطبيقات ما.. وهذه التطبيقات حيوية.. ولابد ان يربط في عقل الطالب بداية معرفة العلم وواقع تطبيقاته..
وأما بشأن ما أوردناه عن كأس العالم لكرة القدم فانه امتحان اخر استعد له شبابنا عمليا وتطبيقيا وكان اداؤهم هو ما توقعناه وليس بالمفاجاة.. ولكن سيزيد أعصاب الطلبة الممتحنين شدا ، التهابا!!