الفلبين .. النمر القادم
سنة النشر : 31/05/1994
الصحيفة : عكاظ
آمل أن يكون دخول استثماراتنا النفطية الى الارخبيل الفلبيني نوعاً من التوفيق الذي يتعدى الحسابات الموضوعة والخطط المعدة.. فيبدو واضحاً اننا ندخل في النفق الزمني المناسب للوضع الاقتصادي العام في الفلبين. لأن هذه الدولة التي تعدتها جاراتها وحليفاتها في منظمة « الآسيان » صناعة.. وتجارة.. وثروة. بدأت تعد وسائل ناجعة للحاق بهم ، وبخطط طموحة لموازاتهم ، مع نهاية العقد الأول من القرن القادم. وتهمنا الفلبين لاعتبارات كثيرة فرجال الاعمال السعوديون يعرفون هذه الدولة جيدا ويتعاملون معها وبالذات في توظيف ابنائها منذ عقدين من الزمن على الأقل وصحيح أن تعاملنا مع الفلبين لم تتوسع مجالاته في انشطة أخرى مسألة العمالة.. الا اننا بدأنا مع العنصر كما هي في. الفلبينيين من أهم العناصر.. وهـــــو البشري.. وهذا التعامل البشري » يبنى نوعاً من القاعدة التي تعطي تفهما واسعا لدولة الفلبين ليبني عليها أي توسعات تجارية واقتصادية مستقبلا وحاضراً من البوابة الكبيرة الأخرى من خلال الاستثمار السعودي الضخم لشبكات التوزيع التي ستشمل معظم الجزر الفلبينية. اننا الآن في المكان والموقع الصحيحين لنصاحب التغيير الذي يعتري بنى هذه الدولة ولنكون شريكا أساسيا ومؤثرا في مسيرتها لتغيير جلدها وارتداء جلد نمر اخر في العرين الباسيفيكي... طبعا هناك دوران يكادا أن يكونا حتميين وهم الدور الامريكي والدور الياباني والأول تفرضه اعتبارات سياسية وعسكرية منحسرة الآن على أية حال!).. واقتصادية اعانية وتبادلية والثاني تفرضه الجغرافيا ( الجوار النسبي) وضخامة وتفوق الاستثمار والتقنية الا ان الدور السعودي الناشيء بدأ نوعياً وبتأثير مباشر يكاد أن ينال كل فرد في الفلبين. وبنظارة تاريخية سريعة للفلبين تجد أن هذه الجزر كانت عرضة لتأثيرات زمنية وحضارية من قوى مختلفة.. استقرت فيها لأحقاب حفرت فيها شخصية عميقة متلونة حتى بهتت او انطمرت صورتها التراثية في عهود ما قبل الحملات الاستكشافية والاستعمارية الأوربية. وبدأت أول الأقدام الغربية تطأ أرض الجوز والاسماك حيث بدأ التجار والسلاطين المسلمون يتلمسون توسعا في اعمالهم وممتلكاتهم ، ونشرا لدينهم في التخوم المجاورة للملايو عبر ما يسمى الآن ببحر الصين الجنوبي.. ومازال هذا التأثير راسخا في الجزر الجنوبية من الفلبين مانديناو) حيث يقطن منذ اجيال غالبية مسلمي الفلبين.. ثم احتلها الاسبان لقرون وقضوا بعملية طويلة ومستمرة على الشخصية الطبيعية لانسان هذه الجزر.. بل ان الاسم الذي تخرج به الفلبين الى العالم الآن هو نسبة لأحد ملوك الاسبان الملك فيليب ».. ونشر الاسبان ديانتهم الرومان كاثوليك) من اقصى الجزر الى اقصاها.. ومازال الفلبينيون الى يومنا هذا يحملون الاسماء والالقاب الاسبانية.. ومنذ أوائل هذا القرن والأمريكيون يسيطرون على الفلبين الى عهد الاستقلال ( ما عدا فترة قصيرة خلال الحرب العالمية الثانية عندما احتلها اليابانيون). اما ما تركته الثقافة الأمريكية في المجتمع الفلبيني فلك ان تحدث بلا حرج!! منذ ثلاثين عاما كانت الفلبين نوعا ما متقدمة وبالذات اجتماعيا وثقافيا عن جاراتها ( تايلاند اندونيسيا ماليزيا).. الا انه أصابها نوع من ضعف الحراك السياسي والاقتصادي جعلها الآن في ذيل القافلة بالمحيط الهادي.. وكان السبب الرئيسي الحكم العسكري المتسلط وأنظمة الطوارىء ، وانتفاع القلة ، وغياب الرؤية والدوافع الوطنية وبالذات اثناء حكم فردیناند ماركوس الذي عرقل كل خطة لانماء البلد..
وبالرغم من أن عنصر الفرد الفلبيني هو من النوع النبيه والمجيد مع خبرات متنوعة في مجالات عدة.. ولكن لم تنظم هذه القدرات الفردية في منظومة جماعية صحيحة... وعندما استلمت السيدة اكينو مقاليد السلطة بعد سنوات من حادث مقتل زوجها المشهود في مطار مانيلا ( سمي باسمه الآن.. فإنها في قراراتها المترددة ودسائس معارضيها السياسيين وجبروتهم كونت عائقا آخرا في المسار الفلبيني نحو الانطلاقة الاقتصادية... والذين زاروا ويزورون الفلبين الى وقت قريب يعجبون من حالة التدهور الاقتصادي وسوء الخدمات العامة حيث تبقى مدينة مانيلا مثلا عشر ساعات كل يوم بدون كهرباء ».. هذا فضلا عن غياب الامن وانتشار عمليات الخطف بشكل واسع وبالذات ضمن أفراد الفلبيينيين ذوي الاعراق الصينية وهي الفئة التي يشكل اعضاؤها. معظم مجتمع الاعمال الغني.. وسلسلة الكوارث الطبيعية من الأعاصير والفيضانات وثورة البراكين...
إلا أن تولي فيدل راموس الرئاسة اسفر عن شخصيته العسكرية الصارمة والمنضبطة واتسمت بنظافة وانكباب واضحين في العمل لانقاذ الفلبين ووضع هذه الأمة في بداية المسار الصحيح.. وبدأ باختيار شركاء حكمه القادرين على تنفيذ ما عزم عليه لرفع الأداء العام.. فحاكم مدينة مانيلا ( العزيدو ليم) اصبح رسالة اسطورية ، لقدراته الفائقة في تطهير أقذر أحياء المدينة وتخليصها من الشواذ والافاقين والمتسكعين ، وتحويلها الى مرافق سياحية مشرفة وشريكه الآخر ريتشارد جوردون الذي حول القاعدة البحرية العسكرية الامريكية السابقة ( سوبيك باي) SUBIC BAY الى مركز تجاري وصناعي شبه حر تتهافت عليه كبريات الشركات العالمية.. وفي العام الماضي صدرت الفلبين بضائع للعالم ببلايين الدولارات بل وبتطور سريع قفز نشاط سوق البورصة في مانيلا بمعدلات شاهقة فاقت كل مثيلاتها في العالم ( بزيادة في عام ۱۹۹۳ بمعدل ۱۵۰% عن السنة التي قبلها). وتزدهر الآن وبتواتر متضاعف نسب النمو في المناطق الجنوبية في الأرخبيل بعد ان كان مسرحا لحرب العصابات.. وانتشرت مصانع الانتاج السمكي والزراعي وبمشاركة مع كبريات الشركات العالمية في هذا المجال. وطبعا مازالت في الفلبين مشاكل كأداء.. وصعوبات اقتصادية واجتماعية متفاقمة ومتراكمة منذ اجيال والكثير من الفلبينيين يعيشون تحت خط الفقر.. ولكن إرهاصات النقلة التي صاحبت التاريخ القريب جدا لحراضر زاهرة کهونج كونج وسنغافورة ، تعيد نفسها وبتتابع.
واضح في الفلبين. لذا أعود إلى بدء).. ويتعدى صورة استثماراتنا في الفلبين الأصل الى الاعتقاد بأنها.. ضربة معلم!!