اليابان بين الجار والصديق (2-2)

سنة النشر : 25/03/1994 الصحيفة : عكاظ

 
.. سأروي لكم تجربة عشتها قبل أن أتطرق الى انطباع الدول المجاورة عن اليابان واليابانيين..... في احدى عطل الصيف الدراسية التحقت بشركة نفطية شمال الخليج... لليابانيين حصة في ملكيتها.. وكانوا يديرون بعض المواقع الهامة في الشركة.. وكنت مازلت يافعا تتجاذبني رومانسية الأشاعير الباكرة. ومنها الانبهار بالأمة اليابانية الدولة الشرقية التي شقت منعطفا تاريخيا في تكنولوجيا العالم... وبالياباني الدمث الباش الذي تذوب عظمته في تواضعه بانحناءاته المجاملة التي لا تنتهي.. ولكني صحوت على واقع مغاير لليابانيين الذين عشنا معهم في تلك المنطقة... حيث لاحظت على سيمائهم الجد دوما الى حد العبوس ، عارفين تماما عن الاختلاط بالآخرين ، وأنشأوا مساكن ونوادي لا يسكنها ولا يرتادها غير اليابانيين.. ولم أحظ بتحقيق الحلم.. عشنا مع اليابانيين.. ولم نتعايش معهم.. أو لم يسمحوا بذلك!! وكنت أحس بأعماقي بأن ذلك لم يكن تمييزاً أو تهاوناً بالآخرين.. قدر ما هو اعتزازهم بسياج ياباني صنعوه حول أنفسهم لا يخرج منه اليابانيولا يدخله غير الياباني.. حصار. ربما- من الكرامة الوطنية السامقة.. ( وهذا تماما ما تعاني منه المنتجات العالمية في اختراق سياج السوق اليابانية).
 
جيران اليابان: منظومة الدول في شرق آسيا وجنوبها الشرقي لها تجربة طويلة ومريرة مع اليابانيين عندما نشروا بيارقهم في تلك البلدان.. فقد عانوا طريقة مجحفة من التعامل واساليب متعسفة من التعالي والاعتداد هذا الطعم المر الذي لم يفر من ذاكرة هذه الشعوب هو الذي حدا بالزعيم الياباني هو سوكاوا ليعلن على الملأ الدولي اعتذاره من أفعال اليابان خلال الحرب الثانية هذا من جهة أما من جهة أخرى فإنك تجد ان اليابان مع جيرانها تتعامل مع دول تسيطر عليها الدياسيورا الصينية إما أثنيا ( سنغافورة وهونج كونج وتايوان.. واما اقتصاديا (ماليزيا ، تايلاند الفلبين.. وحتى اندونيسيا..)..... إن على اليابان أن تتخطى هذين الحاجزين العسيرين لتضمن حزاما أمنيا وتفوقا في العلاقات المتبادلة مع هذه الدول ضد خصمها المارد الصين.. وبدهاء لا يتقنه الا اليابانيون تكاد أن تتحقق لليابان هذه المعجزة.. فإن أخذت سنغافورة مثلا فستجدها- رغم عنصرها الصيني- تعطي اهتماما بالغا لجارتها الكبيرة اليابان وذلك لضخامة الاستثمار المالي والتوظيف التكنولوجي والصناعي الذي تغدقه اليابان على هذه الجزيرة الزاهرة.. وكذلك تفعل الشيء ذاته مع تايلاند وماليزيا والفلبين فضلا عن الاف الملايين من العملات الصعبة التي تنفقها أفواج متدفقة من السياح اليابانيين التي جعلت من صناعة السياحة موردا رسميا لا تستغني عنه خزائن هذه الدول.. ومازال المبعوث الدبلوماسي الياباني ، أكثر احتراما وأجل أهمية في بلدان جنوب شرق آسيا من نظيره الصيني.. وربما.. الى حين.. حيث يعتقد كثير من المختصين بأن التفوق الياباني وصل ـ أو سيصل الى سقف ثابت من الأداء.. بينما- ينهض الاقتصاد الصيني بمعدلات شاهقة. وسيبقى الشك باليابانيين في مرحلة كمونه لدى هذه الدول. حيث تعبر جهاتهم الاكاديمية ومنظورهم ليس بعد أهل السياسة بين حين وآخر عن استيائهم من وعود اليابان بشرح مشاكلهم أمام نادي العمالقة السبعة ، حيث يتضح لهم دائما أن اليابان كانت تستعرض القضايا التي تتعلق بها فقط.. وحصول اليابان على مقعد في مجلس الأمن لن يخدم- بنظرهم-- الا اليابان خاصة لا المنطقة بشكل عام.. ومن الممكن أن يخرج هذا الشك من كمونه لو ضعف العون الياباني.. أو تفوق النفوذ الصيني. اليابان والصديق كانت الولايات المتحدة هي الصديق الأكبر والحامي لليابان خلال العقود الفائتة.. ودخلت هذه العلاقة في متاهات متشعبة بين كماشتي التراجع الامريكي في المحيط الهـــــــادي وبين الحساسية والشد التجاري القائم منذ فترة بين البلدين.. وهذا ما جعل طوكين تطمح مع بداية القرن القادم الى خلق نوع من الاعتماد المتبادل (Interdependence) مع بيكن عوضا عن واشنطن.. وهذا ما يفسر الارتفاع في التبادل التجاري بين الصين واليابان الذي سيصل الى ٣٠ بليون دولار هذا العام).. وهناك اشارات سطع وميضها أمام الأمريكيين فسرت كنوع من التمرد على الوصاية الامريكية كالطريقة التي تعالج بها اليابان موضوع الخمير الحمر في كمبوديا... وعروضها لقروض لايران رغم المعارضة الامريكية...
 
.. عبر العالم ارتبطت كل الدول بعلاقات تجارية صرفة مع البايان ، وهذا الذي مكنها من ترسيخ مواقع وطيدة في أسواقها بدون أي ارباكات أو دخائل سياسية ، وحيث انها عُرفت بوجه تقني برىء فتحت لها الأبواب المختلفة المشارب السياسية والمتباينة المذاهب الايدولوجية.. الأمريكان والاوروبيون يحملون- رغم أنوفهم- صفة الهيمنة السياسية مما يخلق كثيرا من النفور والتحسس ضدهم في أكثر من بلا... لذا يفكر جانب عظيم من اليابانيين بتجنب يابان ذات سطوة سياسية.. بل أن جدليته تعتمد على ان اليابان خرجت فعلا منتصرة.. إن لم تكن المنتصرة الوحيدة بعد الحرب الباردة. وعليهم أن يحافظوا على الصورة التي رسمت لليابان كاقتصاد ناجح ومخترق وبلا مخالب...