في انتظار الساموراي (2-1)

سنة النشر : 18/03/1994 الصحيفة : عكاظ

 
هل تريد أن تثير رعشة في أوصال السنغافوريين أو الفلبينيين ، أو استفزاز كراهية تجيش بالذكريات الأليمة لدى الكوريين أو الصينيين.. فقط تساءل عن عودة اليابان كقوة عالمية عسكرة اليابان؟!... ففي اليابان الآن حركة وطنية يمينية وان كانت لاتبدو بشراسة او تطرف الحركات اليمينية الأوروبية بحكم الطبيعة اليابانية تطالب بمكان ملائم ليابان قوية في عالم ما بعد الحرب الباردة.. بمعنى أن تخرج اليابان الى العالم كقوة سياسية مؤثرة وكزعيمة للأركان الشرقية من آسيا. وهذا يؤدي الى مطالبة طبيعية -برأيهم- الى حيازة اليابان على كرسي دائم في مجلس الأمن بالمنظمة الدولية. وأكثر المتحمسين ليابان عظمى ذات واجهة دولية هو الشخص الذي يراه المراقبون الآن رمزا لجيل كامل من اليابانيين تشيرو اوزاوا والذي تعرفه الدوائر السياسية في اليابان بالشوجن الخفي.. والشـــــــوجن لقب لطائفة من الدكتاتوريين الذين سيطروا فعليا على اليابان من القرن الثاني عشر حتى التاسع عشر، ولم يكن الامبراطور الا حاكما اسميا حتى سقطت سلطتهم في عهد الامبراطور الشهير باني اليابان الحديثة. ميجي والسيد او زاوا هذا من أقوى اللاعبين وراء الستار في الحياة السياسية في حكومة هوســوكــاوا.. ويرى أن اليابان العملاق الاقتصادي والصناعي تم تقزيمه سياسيا وعسكريا.. ولايترك السيد او زاوا مناسبة بدون الدعوة الى خروج اليابان من حصارها الباسفيكي حيث يحتاج العملاق الاقتصادي- كما علمنا التاريخ إلى قوة فعالة لحماية مصالحه.. لذا يطالب اليمينيون بقيادة أوراوا الى تعديل في دستور مابعد الحرب الثانية ، الذي فرض على اليابان وبخاصة مادته التاسعة الشهيرة التي تحرم على اليابان النشاطات العسكرية باستثناء الدفاع عن النفس.. وهناك فئة من اليمين الياباني تدور آمالهم حول بعث للدور الذي لعبته اليابان في التاريخ القريب.. عندما كانت شمس نيبون تبزغ على كوريا وجزيرة سخالين وجزر كوريل وفورموزا وجزر بسكادوريس ومقاطعة كوانتانج الصينية كمناطق تابعة لامبراطورية الشمس المشرقة قبل الرب الكونية الثانية.. والى بعث الرجال الاساطير كالجنرال ياماموتو (۱۸٥٢- ۱۹۳۳) وزير البحرية (ثم رئيس الوزراء الذي نمي ارمادا بحرية ضاربة... والى تلك الامة التي كرست كقوة عسكرية متعاظمة بعد خروجها فائزة من الحرب. اليابانية الصينية (١٨٩٤- ١٨٩٥). وصعقها للعالم بعد انتصارها الكاسح على روسيا القيصرية (١٩٠٤- ١٩٠٥).
 
ويتابعها التاريخ وهي تقود طموحا لا يثنى خلال عقدين بعد هذا النصر المفعم للمناداة بمنطقة آسيا الشرقية العظمى وتحالفها التي لن تنساه ذاكرة الارض مع المانيا وايطاليا. ويعزز مطالب صقور اليابان ببعد عسكري من جهة عملية ومصلحية لمخاطبة وكسب ارباب الصناعة والاعمال الخوف من تتابعات انحسار القوة الأمريكية واهتراء المظلة الواقية التي انزوت تحتها اليابان منذ ان ارغم ماك آرثر المنتشي بفورة النصر الامبراطور سليل آلهة الشمس على الاعلان بانكسار عن استسلام اليابان فاتحًا جرحا لم يندمل في كرامة شعبه المعتدي.. إن ابتعاد البارجة الامريكية المتثاقلة خلف أفق المحيط يعني فراغا للقوة الذي قد تداعب فكرة ملئه مخيلة التنين الصيني، الذي يمور منذ الآن في بحار «الآسيان» خيلاء وتيها باستعراض ذي مغزى ضاغطا على خاصرة الحزام الباسفيكي وانفاسه اللاهبة يطال وهجها الارخبيل الياباني.
 
وتضع الآن اليابان في حساباتها الحفاظ على أمن وسلامة الطرق البحرية التي تجلب الدماء لعروق الصناعة وبالذات الحركة البحرية في مضيق ملقا الممر الضاج بازدحام خطوط النقل البحري التجاري العالمي، والذي من خلاله تصل الامدادات النفطية لليابان من منابع الشرق الأوسط.. فبدأت منذ أكثر من عقد بأخذ التدابير اللازمة وليست حتى الآن الرادعة عسكريا لتحجيم البحرية الصينية المتصاعدة بجهود لا تكل في المطالبة بتطبيق قواعد للسلامة والحماية البيئية في هذا المضيق.. وهي قواعد توفرها التقنية اليابانية في سفنها الحاملة للنفط متجاوزة بكثير القدرة الصينية الحالية.. وبمساعداتها المالية والفنية والتكنولوجية لمجموعة دول جنوب شرق آسيا «الآسيان» وخاصة سنغافورة التي تتحكم جغرافيا بأحد طرفي المضيق.. ربط مصالح هذه الدول بالهدف الياباني يعتبر خطاً أولاً محكماً ضد الرغبات الصينية الخفية وغير الخفية ، ومن جهة أخرى سبب للاعتقاد بصورة أكبر تيقنا بجدية الرؤية اليمينية اليابانية. ان البناء النفسي والفكري للأمة اليابانية يجل بايمان عميق الامـا بيتراسو وهي الرمز في الديانة الشتوية ، ورمز الشمس التي يجب أن تسطع خيرا على ارجاء الأرض حول بلاد اليابان وماتاخمها.. وتبنى الميثالوجيا على تقديس ارواح الابطال والأباطرة.. ويتطلع كثير من اليابانيين الى مجيء الساموراي المحارب ذي السيفين صاحب الأنفة الاسطورية والشجاعة التي تتعدى جرأة الانسان.. وهم كأبطال صموئيل بيكيت عصور اللامعقول في عبثيته في انتظار جودو.. حيث تمضي احداث المسرحية في انتظار جودو الذي لا يأتي.. واليابانيون كما نعرف أبعد الناس عن العبث واللامعقول. فهل يعود