كيف ندخل الجات .. أولًا .. أم ثالثًا؟

سنة النشر : 04/03/1994 الصحيفة : عكاظ

 
نبدأ حديثنا هذا بهدين المثالين علني أوفق في إيصال وجهة نظر حول دخول بلادنا نادي التجارة الكوني...
 
المثال الأول: ما قرأته في إحدى الروايات لكاتب مصري عملاق يتعرف فيها بطل الرواية الى رجل عجوز يكثر من تدخين السجائر. ولعل البطل هذا راه مرة منقطعا عن التدخين فثنى عليه قائلا: ما ألم بك يا صاحبي هل عجزت عن التدخين ؟.. هل بلغ بك الوهن حدا لم تعد قادرا على ضم سيجارة بفمك ؟ ومن ذاك اليوم والشيخ يبالغ باستهلاك لفافات الهلاك ليوهم نفسه بالصحة والعنفوان المثال الثاني: ما مثلته في مقال في إحدى الصحف مصورا اتفاقية الجات بأنها عبارة عن حلبة بها عدة لاعبين من ذوي السواعد المقتولة داخلها يتنافسون.. وباقي الأعضاء هم نظارة يتفاعلون ولا يفعلون ويدفعون تذاكر الدخول ولا يكسبون.... وربما كان في هذين المثالين بعض الشطط.. أو الكثير منه وليكن كاشفا مضيئاً لا باهرا للسبيل الذي أزمع انتهاجه لإيصال ما أهدف اليه... أولا: بين الواقع والطموح في بلادنا هذه حققنا مستويات رفيعة من خدمات عامة وتجهيزات أساسية واسعة ، بلغنا شاواً كبيرا في تنمية المجتمع ، وحققنا معدلات وثابة في العلم والثقافة. كل ذلك في زمن محصور- ادرکه وعاشه جيل مازال في لياقة العطاء، ومن هنا رأينا أننا صنو لأي عضو في العالم الأول. فقد تفوق في ذلك بعض أعضائه ، هذه حقيقة ولكن هل تكفي هذه الحقيقة مسوغا لبطاقة العضوية؟.
 
إن طبيعة التنمية في المملكة ، وفتح بوابات رحبة للعلم والاكتساب ، وملء الوظائف الاشرافية أو قيادة الأعمال الخاصة خلقت منا مجتمعا من المديرين ربما ولكن ليس من العاملين أو الصانعين.. فمن السعوديين نجد الطبيب الحاذق ونفتقد الممرض المعين ونرى المهندس الخبير وتتلمس الفني الماهر.. ويظهر المدير الفطن وتغيب طبقة الفعلة الاداريين وترانا رأسا عامرا محليا يحركه جسد أطرافه من كل بلد.. وإن كنا بواقعنا هذا أفضل طالعا من الكثيرين غيرنا في هذا الكوكب الزاخر.. إلا أننا مازلنا نمشي بغير أرجلنا.. ونرفع بغير أيدينا.. ولكي نلج العالم التجاري الصناعي المتقدم لابد من العنصر الانتاجي البشري المتكامل ذي النسيج الواحد يبدأ من الفكرة على الورق الى الشرر يتطاير في المعامل... ثانيا بين تصدير النفط والصناعة المحلية: إنني أشارك الكثيرين الذين يرون الحواجز تتهاوى والعوائق تتلاشى أمام زيادة صادراتنا المحرك الأول لأداء اقتصادنا ، فإن احترام الدول الموقعة اتفاقية تحرير التبادل التجاري الدولي يعني ضخا أكثر من الزيت للأسواق غربا وشرقا.. ودخلا أوفر للبلاد. وربما نسينا بعدها الضغوط النفسية التي سببتها لنا سيئة الصيت ضريبة الكربون. وأشد على يد من قال بخطوط بيانية أعلى لمبيعات البتروكيماويات إذا عزمنا على الدخول من بوابة الدرجة الأولى.. ولكن ماذا سيصيب طفلنا الذي كرسنا له كثيرا من الحنان والبذل ؟ وأعني صناعتنا الوطنية.. فأنا أجد صعوبة بأن أومي براسي بالموافقة على من قال إن دخولنا بصفة العالم الأول حافز المنافسة والسعي للتصدير من قبل أصحاب المصانع، وسيحد من عمليات الاغراق من قبل الأجانب فهو قول به جرعة زائدة من الأمل ومن التنظير المطلق الذي يفرض ثبات العوامل الأخرى المصاحبة.. فالقضية ليست إغراقا سلعيا كما يبدو من أول وهلة.. ولا إغراء جذابا لجلب الصناعات العالمية. القضية هي قضية تكنولوجيا وما يتبعها من وسائط عريقة من تطوير وبحوث وخدمات تقنية مساندة ، وصناعات وسيطة وتكامل راسي وعمودي في العلم والادارة والمال ، والوعي الصناعي الاستقرائي للحاضر والتوقعي والتجريبي للمستقبل ، فحتى في البلدان الرائدة تطيح صناعات بصناعات ، فماذا نفعل إذا تخطتنا التكنولوجيا.. وهذا هو دأبنا الذي لا يكل.
 
ومن جهة أخرى سيتيح لنا الدخول كعالم ثالث الاستفادة من بعض ما أعطي من مزايا لهذه الدول لحماية منتجاتها وصناعاتها الوطنية فإن لم تكن حاجتنا الى هذه المزايا دائما فهي مطلب ضروري حاليا.:
 
إذن سيكون علينا أن نختار البديل الأفضل أو مخرجا للاتجاه الى بديل معين دون التضحية بمزايا البديل الآخر. ثالثا: الرؤية والاستعداد: هناك أسئلة وتساؤلات نود الاجابة عليها قبل الانخراط في عضوية النادي التجاري الدولي.. ربما يملك العالمون بالأمور المعلومات اللازمة وأنا أعالج هاجسا بما لدي من معلومات متناثرة واطلاع عام ومنها التساؤل عن الدور الفاعل الذي ينبغي أن نؤديه.. عم ندافع؟ ومع من نتكتل؟ وكذلك بمناسبة انتهاء الجات عمليا وبدء دور عمليات الرقابة والجزاء بالتحكم في عمليات تحرير التبادلات التجارية القارية فهل ستقع علينا عصا الشرطي؟ أم سنمسك هذه العصا مع الآخرين... لقد بنينا بأناة، وخططنا باسترشاد وأنجزنا بإبهار ، واستغللنا أموالنا المتاحة في أيام الفيض فيما رأيناه ناقصا.. وقدمنا أولويات لبناء الاستثمار المستقبلي ببصيرة نادرة.. ودفعنا وقتها الثمن مضاعفا- وبالطبع لا نريد لكل ذلك أن تذروه رياح تعصف من الشمال.. أو تقتلعه أعاصير تثور من الشرق.. ثم المهم كيف يرانا العالم ؟ هل يرانا عالما أولا أم لا يرانا؟ وما نفع امتلاكنا لكرسي متقدم لا يضعه الآخرون في الصف الأمامي.. إن المهمة الثانية التي تكون لاحقة لما ذكرنا في المعطيات السابقة هي تكريس النظرة العالمية الينا بما يليق بنا.. ويحلق مع طموحاتنا.. ويؤكد هويتنا.