من يدفع القطار؟
سنة النشر : 05/03/2000
الصحيفة : عكاظ
طبائع البشر وصفاتهم.. وغرائزهم تشبه البخار الناتج عن غليان الماء.. إن حاولنا كتمه فسوف ينفجر الإناء.. وإذا أحسن توجيهه أمكنه دفع قطار.
برترند رسل (الفرد والسلطة)..
وهذا الكلام من ابلغ ما قرأته. والحقيقة هذا ما يعجبني في اصحاب الفلسفة التطبيقية فهم يملكون حنانا نايضاً وعقلا نامضاً وبصيرة فياضة ، لذا قاد أرسطو الفكر التاملي التجريبي إلى يومنا ومازال "كنط" و"هيجل"، أرضية في البناء الحضاري الجرماني.. و ديكارت الذي وضع كامل الأمة الفرنسية في صدر العالم في زمانه وما بعد زمانة بانفتاحاته الفلسفية الممهورة بالكشف الرياضي والاستدلال العقلي.. وعندما تقرأ للفيلسوف العربي الذي رحل منذ فترة بسيرة زكي نجيب محمود ستجد ذخرا من الفكر التقويمي المبنى على المنطق العلمي والذهنية الحاسبة.. ربما استرسلت قليلا فليس هذا تحديدا موضوعي.. ولكن طرأ كلام الفيلسوف الانجليزي رسل، على ذهني وسيارات الشباب المتحمس تزمجر وتزعق ، وتأكل قشرة الطرق ، في تعبير صاحب عن فرحتهم بانتصار فرقهم الرياضية ولا لوم ولكن ما العاقبة؟ أرجو الا أقرأ في الصحف غداة « يوم الحماسة ، عن حوادث مؤسفة.. ولكنها عواقب متوقعة. هذا هو البخار غير الموجه ينفجر عنفوانا مضطرباً بطاقة الصبا واندفاع العمر المبكر.. ولا علاقة لذلك بالمستوى الحضاري للامم إنه بخار مكتوم بطريقة معينة تتباين من مجتمع إلى آخر.. ثم تتعاظم وتجد مناسبة لتخرج داردا مروعاً من قمقم مصبوغ بلون الحماسة والفرح ودائما نقول عن قبائل ورعاع الهوليجان في بريطانيا ، مهد المدنية الصناعية لعصورنا الأخيرة.. والتي يوماً كانت شعوبها مضربا للأمثال بالبرود العاطفي والمسلك المقفن بالنظم والتقاليد الاجتماعية والحضارية والفكرية.. أما خليفو الرؤوس في المانيا فهم ردة بخارية حضارية تنسف بأول عناصر الأمة الآرية.. عنصر الفخر بالتفوق الحضاري الالماني.. إنه في النهاية بخار كتم بشكل ما ووجد منفساً للانفجار.
هذا الطوفان الحماسي الشارعي الذي يعقب مباريات الفوز لابد أن تؤخذ ماخذا مركزا للدراسة والفهم وتحديد الدوافع وتوجيه السيل البخاري الفائت في الطرقات.. الى قوة بخارية بشرية دافعة إن الشباب يعبر لنا وبطريقته العفوية المتقدة بأنهم موجودون وأنهم طاقة عظمى مخزونة... ولن نترك الطاقة الشبابية تقلت من محابسها.. كما تفلت الثروة الغازية من محابسها الجيولوجية ولكن.. طاقم الفريق الرياضي المكلل بالغار والنصر هو الصورة المثلى للطاقة المقننة الموجهة.. إنهم طاقات تفور من الصبا والفتوة واللياقة.
وجهت بحكمة.. وصبر.. وتدريب.. ليدفعوا كامل قطار الأمة للفرح والاحتفال.. هذا الانفجار الشبابي الذي يولد طاقة مؤدورة في الطرقات والاصابات تجعلني أتمنى على القائمين على السعودة ذلك المبدأ الاستراتيجي أن يبدأوا من لجم وتوجيه هذه الظاهرة لوضعها في المسار الدافع.. أو أن تكون من اهتماماتهم الرئيسية.. فمن يدفع القطار؟!