الانترنت غزو أم فتح جديد؟

سنة النشر : 10/10/1995 الصحيفة : عكاظ

 
الاتصـــــــــــــــــــال و الاتصالات صارا سمة لهذا العصر، والتطور في عالم الاتصالات والوسائط والالكترون تعدى ذلك ليكون ثورة.. بل شورات متتابعة من التغيير السريع الوتيرة إلى حد الذهول ودخل في العقل الانسانی کنطور فنتازی مثل قصص الخيال العلمي.. هذا العالم الفنتازى هو عالم حقيقي يسمونه الآن السيبر سبيس) ، صار الكوكب مجتمعا واحدا من خلال الاتصال الشبكي القاري موازيا لمجتمعات الأرض المتفرقة جغرافيا واثنيا وسياسيا.. مئات الملايين من البشر عبر القارات يتخاطبون في التو واللحظة وهم مسمرون أمام اجهزتهم الطرفية يتبادلون المعلومات ويتابعون آخر الانباء والاكتشافات العلمية ويتبادلون الرسائل الالكترونية صار الوقت تقريبا الذي سيكون فيه مبنى البريد تراثا من الماضي وعنوان صندوق البريد ممارسة بدائية يقرؤها الجيل القادم في التاريخ المدون أمام شاشات الحاسبات المحمولة انذاك) تكون الكتب الورقية مثل ورق البردي ، وجلد الغزال. طمرها الزمن... منذ الآن بدأت الرسائل تتواتر بالالكترون ويحمل الملايين من الناس بطاقات زياراتهم وعليها عنوانهم الالكتروني.. فلقد مضى زمن الرومانسية البريدية.. أو هو في طريقه نحو ذلك والعالم لا يعيش بدون اتصال والمجتمع الذي تنقصه وسائل الاتصال مع الخارج سيكون في جزيرة معزولة عن صخب الحياة وتطورها.
 
لذا كان الاتصال من ضروريات الحياة منذ البدء.. فالمجتمعات الاولية حرصت على الاتصال بوسائل شتى وطورتها كما طورت وسائل بقائها الحيوي منذ الاتصال المباشر الى استخدامات الحمام الزاجل وعربات النقل البريدي التي تجرها الحيوانات وبلغ ادراك المجتمعات الانسانية في الماضي لأهمية الاتصال الى ان صار طقوسا تقام وترتيبات تقليدية تعد عند القيام بعملية الاتصال.. فنقل الانباء في الادغال الأفريقية في القرون الماضية كانت تتم باحتفال راقص توشم به الاذرع وتصبغ به الوجوه ويضع فيها سامر القبيلة كل ازيائه المريعة ثم تقرع الطبول بايقاعات معروفة لنقل الاخبار الى قبيلة أخرى في مكان اخر في الغابة. وفيه قد تنقل تهديدات الحروب او تحذيرات الكوارث الطبيعية أو ثورة الحيوانات الجماعية.. اما قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية فكانت لهم وسائلهم الاحتفالية وطقوسهم المشهورة في الاتصال عن طريق التحكم في الدخان المنبعث من النار التي يشعلها حكيم القبيلة وينقل الرسالة التي يتفوه بها الزعيم.. ولقد استخدم العرب قديما نقل الرسائل بأنواعها عن طريق القصائد والشعر التي تحفظ في القلوب وتروى تحت كل خيمة او مع حدو الجمال.. والاتصال لاينقطع منذ بدء وعي الانسان في الانسان.. انما الذي يقطع نفسه عن الاتصال هو الانسان ان اراد.. وفي هذه الحالة حكم على نفسه ان يركن في هامش التفاعل الاجتماعي.
 
ومع تضخم شبكة الاتصال العالمية ( الانترنت) فقد فرضت نفسها كوسيلة كونية للاتصال اللحظى ولكنها ايضا صارت قضاء الكترونيا تسبح فيه محيطات من المعلومات التي بات من الاستحالة الاحاطة بها.. وتطفو هذه المعلومات على ملايين الشاشات بدون قوانين وبدون نظم تقتحم جهازك وتصل اليك بفائدتها وبعثها. ولكن برغم ماقد تأتى به من مساوي وسلبيات الا انها صارت واقعا تعامليا علميا ستصعب مجاراة الرقم العالمي بدونه.. والسؤال يتبع دوما من كيفية التعامل مع الجديد من الاكتشافات والتطورات وبالذات الخاصة بالاتصال ذي الأثر الخطير ؟! وطبقا للطبيعة البشرية التي تتكرر من جيل إلى جيل فهناك من يحاربها جذرا منفصلا ويعتبرها من عظائم الموبقات والمحاذير وهناك من بنادی بالتعامل مع الجديد وركوب الموجة الی این ما تقود. ففي بلادنا شاع استخدام الاجهزة الحاسبة الشخصية وتلقى رواجا كبيرا في الأوساط العلمية والعملية وصارت تدخل حتى المنازل والاستخدامات الشخصية وهذا يعنى أن التطور الالكتروني فيه الكثير من المساواة لانه يتصل بالقدرة العقلية الضرورية مباشرة بغض النظر عن مستوى التقدم في الدولة.. ونرى عباقرة الالكترون من كل بل.. ومن كل جنس.. فماذا عن الشبكة الدولية في رأيي اننا لابد مستخدمون لهذه الشبكة بفوائدها الاتصالية التي لاتنكر بل انها تستخدم لدينا في جهات مهمة كالمستشفيات والجامعات... ويتخوف الكثيرون- وهم محقون ـ من انفتاح الجميع وبالذات الأجيال المتفتحة على مايسيء من معلومات ووقاحات نثرها الشاذون- وهم ايضا كثيرون عبر العالم- في هذا الفضاء الالكترونى والذى من الممكن التقاطه على الاجهزة الشخصية... ولكن وانا لست متخصصا- قد تكون هناك بعض الحلول الفنية للتصرف بالمعلومات على قنوات الادخال الرئيسة. أنما تبقى الشبكة العالمية للاتصال عـاملا مهما والاهم واقعا عالميا موجودا.. وربما يأتي يوم يكون الخارج عن هذه الشبكة كمن يقطع مفازة على ظهر جمل والمركبات الفضائية تمر من فوقه ويبقى الأهم هو تربية النشء واعداد المجتمعات السواثقة المتمسكة بدينها واخلاقياتها فكلنا- رغم انوفنا- معرضون للممارسات الخاطئة في أي مكان وزمان...
 
يحمي الذي دانما هو تلك الدروع الايمانية في داخلنا!