الفكر والكون (2)
سنة النشر : 29/08/1995
الصحيفة : عكاظ
نتابع ما كنا نتحدث عنه في الموضوع السابق عن الرباط الطموح والمتوثب للعقول الآدمية المتقدة كالنجوم المستعرة مع الكون السحيق. وعجبنا- أنا وغيري- للاشعاع الفكري الانساني وبالذات في مجال الرياضيات والفيزياء النظرية في اختراق الحجب الكونية ومحاولة ادراك تخوم وصفات فضاء عميق لا ينتهي وذلك ابتداء فقط بالعقل المنطقى المجرد منذ تفسيرات ارسطو وصولا الى العقل المارد الاشهر على امتداد التاريخ الإنساني في علم الفيزياء الرياضية وأقصد اسحق النيوتن) وقد تحدثنا عنه بایجاز في المقال السابق.
ونحن في صدد الحديث عن الجهاد العقلي الأفراد متميزين من بنى الانسان ليس مع الغاز الكون وعجائبه ومعجزاته فحسب وإنما المعاناة المريرة مع الأوضاع الاجتماعية والمفاهيم الثيوقراطية السائدة والخرافة الغائرة والبطش المسيطر وذلك ينطبق بهيئة مثالية على العالم الايطالي الفذ والشجاع جاليليو) الذي كان فضولا وعبقرية لا تهدأ ولا تستكين في بحوث المعرفة المتعلقة بعلوم الفلك والرياضيات والطبيعة ، وأظنه أول من وضع عمليا وتاريخيا أسس العلم التجريبي الحديث.. والطريف في حياة هذا العالم النابه انه كان في البداية متجها للدراسات والعلوم الطبية إلى أن غلبت عليه رغبة البحث في اللغز الهائل الذي كان -وما زال- يفتح للعقل الانساني كل بوايات التحدي والمغامرات الفكرية التي تلوح بالمظان العقلية إلى عوالم مجهولة بلا أفاق وبلا تخوم.. لغز هذا القضاء المترامي امامنا وفوقنا ترصعه الشموس والكواكب والأقمار والنجوم... لقد اثبت جاليليو وبجرأة علمية نادرة خطأ تعاليم ارسطو عن حركة الاجسام حين اثبت انها تسقط بنفس السرعة وبعجلة ثابتة مهما اختلف وزنها -طبعا باستبعاد مقاومة الهواء- ولقد اعتمد فيما بعد اسحق نيوتن استنتاجات جاليليو القياسية كمرتكز لقوانينه التليدة عن الحركة.. وكان الفارق الدقيق والهائل بالمنظار العقلي البحت ـ بين الفكر الأرسطي وافكار جاليليو هو اعتقاد ارسطو الراسخ بالسكون الأرضي ، وسكون الاجسام التي لا تخضع لأي قسوة أو دفع.. لقد لاقى هذا العقل الجليل. صنوفا شتى من الأذى والتحقير والتكفير مع الكنيسة الكاثوليكية.. فهو- كما نرى.. صاحب فضل كبير في ظهور البحث العلمي الحديث ويؤمن- خلافا للمبدأ الكهنوتي- في فهم. كيفية الظواهر الكونية. وإيمانه بنظرية البولندي كوبرنيكس عدو الكنيسة الأول.. ثم. أن التقليديين من العلماء المتنطعين بالأرسطية. انضموا بخبث الى الادعاء التحريم الادعاء التحريمي الكنسي حول نظرية ( كوبرنيكية) ولقد وافق جاليليو تحت غيظ وقهر عظيمين بألا يعاود المناداة ( بالكوبرنيكية) وباءت محاولاته بالتراجع عن ذلك بالانحسار والفشل. وتوب من قبل الكنيسة للمرة الثانية ووعد بذلك.. وعاش كظيما معصورا في منزله بعد أن حكم عليه الاكليرك بالاقامة الجبرية المؤبدة والتخلي عن الكوبرنيكية امام الملأ.. لقد أهدى هذا العالم الباحثين من بعده أول المناظير الفلكية حين اكتشف بواسطته أن القمر المشع ذهبا ما هو الاسطح جبلي.. واكتشف أن الدرب اللبنية بها. عدد لا يحصى من النجوم واكتشافه الكبير في العام- ١٦١ م لأربعة اقمار لكوكب المشتري وبحوثه حول أوجه الزهرة والبقع الشمسية.. وسفر الفيزياء العظيم الذي ألفه في اقامته الجبرية بعنوان « علمان جديدان والذي سخره لعلوم ويجوث الفيزياء عامة بعيدا عن التركيز. فقط على نظرية كوبرنيكس.
أما ألبرت اينشتاين فهو مالي الدنيا وشاغل الناس الى يومنا هذا لعقله الاسطوري. الفائق ومازالت الى اليوم تجرى بحوث بيولوجية وفسيولوجية حول دماغ هذا الانسان للاستدلال على ماهية عبقريته المتوهجة وقد بولغ في دور هذا العالم ليس في المجال العلمي فقط وأنما ايضا في ميادين السياسة والاجتماع... ونظريته سواء النسبية الخاصة او النسبية العامة مازال يقال أن من يعرفهما ويفهمهما ويطبقهما يعدون على أصابع اليد على سطح الأرض.. واينشتاين الحاصل على الدكتوراه من جامعة زيورخ ( ۱۹۰۵ م) اجرى بحوثا قمة في التعقيد والتداخل الرياضي بحثا في الظواهر الكهروضوئية) واضعا اسس النظرية النسبية الخاصة وحصل على جائزة نوبل بالفيزياء في العام.۱۹۲۱ م.. ولقد عادته المانيا الهتلرية واعتبر عدوا للرايخ الثالث صودرت أملاكه وهاجر الى الولايات المتحدة وعين هناك بمعهد الدراسات المتقدمة بجامعة برنستون) ان هذا العالم صاحب الخيال الدقيق المجنح والتصور العقلي الجبار اول من افترض وجود الضوء على هيئة كميات صغيرة تسمى ( الفونونات) وبناء على هذا التصور المنطقي فسر ظاهرة ( الكهروضوئية) المعروفة بنظرية الكم ووضع العلاقة بين الكتلة والطاقة في نظريته النسبية على اسس رياضية تستعصي على عدة عقول مجتمعة وهي في امتدادها التفسيري الشاهق تحدد العلاقة بين الجاذبية وانحناء الفراغ الكوني ذي البعد الزمني الرابع واظهر بعقله الفذ الوحده بعدا كونيا قامت عليه حضارات علمية في البحث الرياضي وفي غزو الفضاء.. انها منة الله على الانسان اورثه العقل طاقة لا تنضب. ونتابع في الحلقة القادمة.