المضادات الحيوية .. وسعر أقل
سنة النشر : 29/04/1994
الصحيفة : عكاظ
البكيتريا اقدم الكائنات على سطح الأرض.. فهي اقدم منا عمرا بكثير. وأكثر حكمة...
باحث أمريكي
المضادات الحيوية بأنواعها المتربعة على عروش الطب منذ العشرينيات من هذا القرن ، والتي كانت على رأس المكللين بالغار بعد الحرب الثانية.. والتي اعتقد جيل اطباء الثمانينيات أنهم بوجودها قد حققوا فتوحات هائلة لكل امراض الالتهابات المعروفة ولم يبق أمامهم اعداء الا السرطان وامراض القلب والعلل المزمنة..!.. هل هـــــذه حقيقة.. ؟ أم لا.. ؟ هل المضادات الحيوية مازالت ذلك الترياق الأمل.. أم أن البكيتريا والجراثيم اعلنتها حربا لا هوادة فيها.. ؟ لنستعرض بعض الأحداث التي مرت بي وبعض الأحداث الذي أوردتها مجلة نيوزويك الأمريكية في عدد خصص موضوعه الرئيسي عن ( المضادات الحيوية)... اما ذلك الذي من واقعى هنا فهو ما حدث مؤخرا لاحد الأكاديميين العرب في بلادنا والذي ذهب على عجل لزيارة والده في بلاده والتقط هناك مرض الملاريا.. الى هنا والخبر عاد جدا مع دعائك وتوقعك للمريض بالشفاء ، حيث ان الملاريا صارت من تلك الامراض التي قهرت منذ زمن. ولكن.. مات الرجل ولم يستجب لكل أنواع العلاج.. يرحمه الله.
والحدث الأخر الذي أوردته النيوزويك هو عن الدكتورة سينثيا جبرت التي كانت تعالج احد مرضاها المصاب بالتهاب كلوى... إلا انها وجدت نفسها بلا طائل مهما استخدمت من علاج وبكل انواعه واشكاله من اقراص او كبسولات أو عن طريق الامداد الوريدى.. وذلك ابتداء من الامبيسلين الى المضاد التجريبي الفائق التيكويلاتين.. وبقى دم المريض ضاجا بالبكتيريا التي كانت ماضية تنخر في کریات دمه الحمراء.. وتقول الدكتورة جبرت بأنها استعلمت ستة أو سبعة أنواع من المضادات الحيوية.. بعضها منفردا والبعض الآخر مشتركا مع مضاد اخر.. ولم يبق شيء آخر تلجأ اليه.. وبعد أن يئست جمعت رباطة جأشها ودخلت على مريضها معلنة اسفها وحزنها عن أن جميع العلاجات قد اخفقت.. وإن المضادات الحيوية- معجزة القرن العشرين- قد خسرت معركتها مع البكيتريا.. وبعد أيام لقى المريض حتفه بالتهاب متعاظم في الدم والقلب..... والمضادات الحيوية التي صدق الاطباء يوما انها العلاج النهائي للالتهابات التي كانت تودي بحياة الاف مؤلفة من البشر ومن الحيوان هي عبارة عن مواد ذات اثر ضار على بعض الجراثيم تفرزها بعض الاحياء الدقيقة اثناء نموها وتكاثرها وأول من لاحظ ظاهرة التضاد بين الاحياء الدقيقة علميا ونبه العالم الطبي الى امكانياتها العلاجية هو الفرنسى باستير (۱۸۷۷ م). والغريب انه في الصين القديمة كان الحكماء يعالجون التقيهات بالخبز العفن وهذا مالاحظه بعد قرون السير الكسندر فلمنج مكتشف البنسلين الذي ظهرت قيمته الدوائية في الوقاية والعلاج لحالات الاصابة في الحرب العالمية الثانية وسماه بالبنسلين لكونه من افرازات بعض سلالات الفطر المسمى ( بنسليوم نوتاتوم) وتوجد الآن عشرات المضادات الحيوية بعضها تفرزه انواع من الفطر كـ البنسلين والاستربتوميسين والاريوميسين والتراميسين وميسنيات اخر.. ولكل منها مفعول خاص على بعض الجراثيم.. فبينما لا يؤثر البنسلين على جسر شومة السل أو التيفود فان الستربتوميسين ( عادة) يقضى على الأول والكوروميسين يوقف نمو الثاني. واكتشف الباحثون شيئا مذهلاً.. ظاهرة مخيفة فان هذه الشياطين الذكية الضئيلة كما اطلق عليها أحد الباحثين في جامعة ستانفورد الأمريكية صارت تبنى سلالات من البكيتريا التي تقاوم المضادات الحيوية ابتداء من جرثومة المكور العنقودي الذهبي مع البنسلين وجرثومة السل مع الستربتوميسين.. وكانت هذه فقط بداية الدراما.. بل رأس جبل الجليد.. فقد صعق العلماء من الاكتشافات في هذا المجال ومن حقائق الحياة المؤلمة أمامهم لدرجة أن بعضهم اعتقد ان المضادات الحيوية صارت شيئا من الوهم. ففى الولايات المتحدة رائدة العالم الطبى فى العالم مات في عام ۱۹۹۲ م أكثر من ثلاثة عشر الف مريض من التهابات بكتيرية قاومت كل انواع المضادات الحيوية التي أطلقها عليها الأطباء. وميكانيكية صنع الأجيال المقاومة للمضادات الحيوية من البكتيريا تبدو كما سجلها الباحثون في قدرة الميكروبات الناجية من هجوم أحد المضادات على ايجاد طرق جديدة لمقاومة المضادات.. والاخبث ان هذه البكتيريا ذات القوة المطورة تشارك بكرم وسخاء فصائل أخرى من جراثيم لا تمت لها بصلة هذه القوة.. تصور بل أن علماء جامعة ستانفورد اكتشفوا أن هذه الكائنات تغلبت حتى على مضادات لم تقابلها من قبل قط.....
هل هو أفول نهائي للمضادات الحيوية وايذان بانتهاء الاسطورة القطع لا نعلم ذلك ولكن ينصح بعض العلماء باستدراك الوضع بالاقلال من استخدام المضادات الحيوية ما أمكن وان كان لابد من ذلك فبالجرعة الصحيحة للمريض الصحيح) والحد من ولع الناس بالتداوى بالمضادات. واللجوء الى علاجات ووسائل أخرى غير المضادات الحيوية كتلك التي تحرم البكيتريا مقومات الحياة او التكاثر ، ويذهب المتفائلون من العلماء بأن حرب البكيتريا قد فتحت أبوابا للتحدى للمقدرة العلمية الانسانية وقد يتوصل العلماء لعلاجات جديدة تحرم البكيتريا من ظروف المعيش ( كرفع نسبة الحموضة في الأمعاء. مثلا.... والعودة دائما الى المصادر الطبيعية والبحث فيها مجددا كلما طرحت بنا احلام عبقريتنا بعيدا عنها.