ما أروع ما قال ابن عباس

سنة النشر : 25/06/1995 الصحيفة : عكاظ

 
لعل قراءة كهذه جاءت في الوقت المناسب، لا من اجل أن تلح على الذاكرة كي تستعيد اضاءات الباحثين من علماء الاسلام واساليب الترادف في فنونِ البلاغة ومضان البيان فحسب ، بل أن انجازاً كهذا يشكل موقفاً مثقفاً وفاعلاً في اثراء تراث الأمة وتاريخها واهمية التزامن الشرعي الثقافي. واحسب ان قراءة كتاب كهذا تفتقر الى الثاني والى الخلفية القادرة على استيعاب المصطلح والمتابعة وإلى الثقافة المسبقة والتي دارت حوارات متقدمة او متأخرة حول مبدأ التأخي بين الشرعي وبين الثقافي أي بين ادوات التعبير اللغوي وعلاقة الاستشهاد بالشعر العربي في مواقف الايضاح حسب الموقف والحال.
 
وربما يعود هذا الكتاب القيم بالذاكرة إلى الحوار الذي تبناه المفكر المسلم مالك بن نبي عن خصوصية التسامي في اسلوب القرآن الكريم والترسل في قنية الاعجاز وروعة التعبير واحاطة المعنى والفروق في الآيات طولاً وقصرا مع توفر الاعجاز في الحالتين رغم اختلاف الموضوعين. كما نبهنا هذا الكتاب القيم إلى المحاولات المستميتة التي وقفت خلفها مدارس الاستشراق للطعن في اعجاز القرآن الكريم بالتشكيك اولا في خصوصية التراث الشعري الجاهلي بل وانكاره وكان من ابرز أولئك دافيد صموئيل مرجيلوث من خلال المذهب الديكارتي وصولاً بعد ذلك الى نثر علامات الاستفهام امام النمط المعجز في أسلوب القرآن الكريم ، ولعلنا مازلنا نذكر کتاب طه حسين الشعر الجاهلي والذي آثار جدلا لفترة غير قصيرة. وقال ابن عباس حدثتنا عائشة ، كتاب يؤكد من اسلوبه وحواره مع الرؤية والموقف بأنه خضع لأناة وبحث وتأمل ولزمن غير قريب ولئن كانت عادة الكتاب في تقديم كتاب او مؤلف ان يقولوا في نهاية كل استعراض سريع العبارة. التقليدية وانه اضافة الى المكتبة العربية.
 
فإن د. فهد العرابي الحارثي -وهو غني عن التقديم- قدم في كتابه هذا عملاً علمياً وفكريا رائعين وجديدين في الطرح والتناول بل والتحاور بلغة علمية مع مغيبات التغيير التي طرأت على النفسية العربية ، وقد استند في تسلسل الحوار الى ركنين هامين هما الصحابي الجليل عبد الله بن عباس وام المؤمنين عائشة رضى الله عنهما. واذا كان استقراء التاريخ العلمي قد أكد على تحفظ الكثرة من الباحثين في علوم القرآن الكريم وتفسيره وشرح غريب بعض الفاظه مخافة الوقوع في الخطأ في رحلة البحث عن الصواب ، فإن من المؤكد ان لا احد من العلماء والمفسرين والمشتغلين بعلوم اللغة وآدابها وفنون النقد المعرفي المدلول الكلمة قد أنكر العلاقة. الشعر وبين ادوات اللغة وعلوم البلاغة ومقومات الفصاحة ، وهو ما أشار اليه المؤلف في قضية التاخي الشرعي الثقافي ، بل وفي الادوات التي اعتمدها كثرة من المفسرين كالامام الطبري والزمخشري ومن سبقهما ومن لحق بهما ، وهم كثرة لا نتمكن من ذكر اسمائهم. كما احسن المؤلف د. الحارثي في حواره وفي ضوء المنهج الذي اختطه لنفسه منذ ان بدأ رحلة الحوار مع قضية التأخي الشرعي الثقافي منطلقاً من مدرسة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس مشيراً إلى سابقة هذا الصحابي ليس في تأكيد ظاهرة التاخي الثقافي الشرعي واتما في سبقه المبكر لخواص التحليل التي كشفت باستمرار عظمة الاعجاز في القرآن الكريم لفظا ومعنى واضعاً في اعتباره دعاء الرسول ﷺ لعبد الله بن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
 
وقد ظل رضي الله عنه وعاء حاوياً الشطرين في فهم الدين ( الفقه والتفسير) والغوص فى ملامح الاداء الشعري العربي والذي تشكلت به او معه الرابطة أو التاخي في زحام المعاني والتي سمى بها التعبير المعجز في القرآن الكريم.
 
وإذا كانت القاعدة تقول بأن المناهج العلمية لا تملك صفة الاطلاق على الدوام ، فإن البعد التاريخي للفكر العلمي ازاء ظاهرة الاعجاز في القرآن الكريم يظل مدخلاً هاماً من مداخل الحوار لعلماء المسلمين ليس على مستوى التفسير او استنباط الاحكام فقط ـ رغم اهمية ذلك-- ولكن لتأكيد استمرارية الاساس المعرفي والثقافي الذي يفتح افاق التأمل امام كل مسلم قادر على البحث لا كتشاف مكنونات الانجاز والاعجاز في الاسلوب القرآني حكماً وتلاوة وبياناً. ومن ثم فقد تأسست فى وعي الحركة العلمية على مر العصور ثلاث مدارس هي مدارس العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ، وعبدالله بن مسعود وضع التأكيد على ظاهرة التآخي- المحافظ تارة والمتطلع تارة اخرى ـ فقد شكلت المدارس الثلاث الاساس المعرفي او الركائز الأولى لدراسة النص واكتشاف مكنونات الاعجاز .
 
اعترف للقراء بأن هذه القراءة العجلي لم تتوقف عند محاور الكتاب وأبحاثه الموسوعية قال ابن عباس رغم ما يحمله من حوار جاد وما يتمتع به من اسلوب اخاذ وما يتسم به من لغة علمية واطلاع واسع...
 
أنه كتاب وليس رافداً للمكتبة العربية ، أنه جهد يستحق الثناء والاقتناء.. وبعد فقد روى التاريخ الاندلسي أن الأمير المنصور بن عامر أمير غرناطة قال يوما اتمنى ان لا تكون له حمر النعم ويكون له عقد احمد بن عبدربه يعني العقد الفريد لابن عبدربه الاندلسي.