عن الإدارة والقيادة في الإسلام
سنة النشر : 14/06/1994
الصحيفة : عكاظ
تلقيت هدية نفيسة من الدكتور محمد بن عبدالله البرعي الاستاذ المشارك في كلية الادارة الصناعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.. وتلكم الهدية في كتابه الذي قام بتأليفه تحت عنوان مبادىء الإدارة والقيادة في الاسلام- دراسة مقارنة..
وقبل أن أخوض في هذا الكتاب باستعراضه بايجاز وتسليط بعض الضوء على شيء من اهدافه.. سأبدأ بملاحظات عامة تجمعت لدي من خلال قراءاتي ومشاهداتي وتجربتي الشخصية.. فنحن المسلمين تعلم يقينا بان بين أيدينا ومنذ مئات السنين برنامج حياة شامل.. وكامل وهذا البرنامج هو مجموعة الانظمة السامية التي هي قابلة للتطبيق وبصورة مثالية على مجالات حيوية.. او بالاصح على المجالات الحيوية التي ترشد معيشة ركسب ربقاء جنستا.. الجنس البشرى. الفلاسفة الألمان الكبار وبالذات عظيمهم « نيتشه وغيره تأثروا بوضوح بالرؤية والتصور الاسلاميين فلقد كان فردرك نيتشه ( ١٨٤٤ – ١٩٠٠) يتطلع الى الاخلاقيات العليا.. وقادته تقواه الى ثورة عقلية.. وتجد تأثره بالمباديء الاخلاقية الاسلامية بينا في مؤلفه الشهير وهكذا تكلم زرادشت الذي هو عبارة عن قصيدة مستفيضة نادى فيها بالانسان الاعلى (السوبرمان) وهاجم فيها الاخلاق التقليدية السائدة في. اوروبا وتتالت كتابات كثيرة من علماء ومفكرين اوربيين أشاروا فيها الى رقي وصلاحية المنهاج الاسلامي في أكثر من شأن.. والأمثلة من الصعب حصرها في -هذا المكان..
ولقد حضرت منذ عام أو يزيد ندرة فى المانيا الغربية وكانت تهدف إلى زيادة وتقوية العلاقات الاقتصادية مع ما بالشرق الادنى NEAR EAST وعندماً تحدثنا عن التعليمات الاسلامية المختصة في التبادل الاقتصادي بين الفرد والفرد.. والفرد والمجموع والمجموع رأيت اهتماما بالغا من الحاضرين لدرجة أن النقاش فاض ساعات عن المدة المحددة.. بل وعلق أحد الاساتذة المحاضرين ويتبوأ مركزا عاليا. في أكبر البنوك الالمانية عن تأكيده في الأمور التي اطلع عليها في المصادر الإسلامية عن مدى دقة وفعالية التشريع الاسلامي المالي والتجاري.. وكان عجبنا انه لمح الى ان أحد الرسميين الألمان حين استغرق في هذا النوع من البحث والدراسة اشهر اسلامه وهو شخصية المعروفة.
ولنعد الآن الى كتاب الدكتور البرعي فقد حفلت للوهلة الأولى من جملة ( دراسة مقارنة) لكثرة ما تنوطى عليه دراسات المقارنة من تعمق وغوص ومعارضة في الجذور ومقابلة في الصور والمواقع يصعب على ذوى العقول الصادة عن الصبر والأناة- مما قد ينطبق على صاحبكم كاتب هذا العمود- ولكن عنيد بداية تصفحي لهذا الكتاب وجدته أولاً مبوبا تبويبا منطقيا وسهلا.. ولم يشق على القارىء في اسهابات البحث المضني والعميق وإنما لمس بوعى واضح الهدف. من الكتساب ( حيث انه على ما اظن اعد للناس بفناتهم وليس ضمن المنهاج الكاديمى داخل الحرم الجامعي).. وانا. لست في سياق نقد الكتاب أو تمحيصة فأنا لا ادعى حيازتي علما الادوات اللازمة وانما أسجل انطباعا لفتني فيه ظاهرتان لبراعة المدخل الى القارىء للاستلهام ادراكاته وتهيئته النفسية لمقصد الكتاب.. ولبراعة المدخل الى الكتاب ذاته الظاهرة الأولى في بدء الكتاب حين تعريفه للادارة فقد يرع الكاتب وبرد عكس سريع الى رسم في ذهن القارىء للوعاء الذي تصب فيه معانى الكتاب وعرف القارىء أنها اولا تنيهه ان اساسيات البناء الاداري واضح في الارشاد القرآني الكريم مستشهدا بالآية الكريمة من سورة الزخرف ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾
وهي اشارة واضحة إلى التسلسل الوظيفي والتنوع في أداء المهمات لدفع معيشة المجتمع الانساني.. وثانيا الى تطرقه في نفس المكان الى ان الادارة الإسلامية فوق تنظيمها الذى نظر فيه علماء الادارة الآن فانها تتفوق بقيمة اعلى وعنصر أهم على ( الادارة الحديثة) بملء الناحية الروحية التي تعطى للفرد والجماعة توازنه واتزانه الظاهرة الثانية: استدلاله فقط بعلمين شامخين من آباء الادارة الحديثة.. بدون الاستغراق في اسماء ومناهج ونظريات و مدارس تظل الناشر عن قصده وتضيع الباحث المتتبع عن نتيجته واكتفى في مقدمته بالاشارة الى اختياره الموفق بأبي الإدارة العلمية الحديثة فردريك تايلور و هنری فسایول ابي الادارة العامة الصناعية.. حيث يقول المؤلف: « ان المبادىء الادارية السارية الى يومنا هذا قد تحددت معالمها من هذين الكتابين.. لذا يتابع المؤلف: فان البحث الذي بين ايدينا ای) كتابه مبادىء الادارة والقيادة في الاسلام هو في رأينا ( رأي المؤلف) محاولة جادة لاعطاء كل ذي حق حقيه واعادة المبادىء الى اصولها في القرآن والسنة.
أقل ما يستحقه هذا الكتاب.. هو أن يقرأ!