قدر مدينتين

سنة النشر : 14/11/1998 الصحيفة : عكاظ

 
.. ما أكستر بواعث الوجع عندما تنغمس الشاعيرك مع تطلعاتك التاريخية.. إن المطالعة في التاريخ الذي مضى أحداثاً يثبت أنه دوما يترك أثارا لا تنقطع.
 
لا تؤثر في حاضر الأمم ومستقبلها بل تترك شيئا لا ندري عنه في الاحساسات الفردية وتفيض هذه الأحاسيس من مكامنها حال استفراقك في قراءة الحدث التاريخي.. استغراق يستدرجك رويدا إلى الفرق. من أكثر ما يبعث الأسف المؤلم ماحدث للحضارة العربية الإسلامية من نكبات و فواجع.. منذ القديم وأمم متحضرة كالفرس واليونان لا تبغى تفوقاً للحضارة الناشئة التي بدأت تغطى الأمم ومدنياتها ولكن تبقى للأمم المتمدينة أساليب مفهومة لمحاربة وتصدي الحضارات المتنافسة.. النكبة الفاجعة عندما يهجم المتوحشون نوو الفهم الدموي على حواضر الأمم البازغة...
 
ستغلى دماؤك في عروقك لو عدت مالي إلى التاريخ وستجد الدموع مفرا من مآقيك في المرات القادمة، وأنا اعيد لك ماجرى في العامين الرهيبين ٦٠٦ من الهجرة يوم هجم الجراد المغولي المتوحش على حضارة العالم الزاهرة بغداد.. وفي العام ١٠٣ من الهجرة يوم هجم ذات الجراد الذي ازداد توحشاً يقوده مأفون الدماء الأشهر تيمور لنك في مدينة الياسمين والأدب والعلم دمشق.. لقد دمرت الحطتان الرهيبتان إلى الأبد كماً عظيماً من تراثنا العربي الإسلامي المكتوب في ايام الفزع المساسول هب توحش المغول.. ذكت بيوت الحكم والادارة.. هوت القصور والدور. هتكت الأعراض العفيفة.. ومثل بالأطفال.. ونهبت المدينتان وجرت الدماء سيولاً.. وقد يزداد أنساك وخنقك متى علمت بأثر الخيانة.. وأثر الغدر.. وأثر السجين من الداخل في تسهيل مهمة المغول..المدمرة.. خيانة أقرب بطانة الخلفاء. والأشد حسيرة وألما ما يقال عن خيانة وغدر وحسين ابن خلدون، لأهالي مدينة دمشق.. ليكونوا مضغة للانياب الجائعة تلكما نكبتان نكبة دار السلام بغداد مع الهمجي هولاكو.. ونكبة المدينة الزاهرة دمشق مع الهمجي الأخر تيمور لنك..