وجفت النوافير

سنة النشر : 13/09/1998 الصحيفة : عكاظ

 
دومًا يتساءل الواحد منا.. ماذا نستفيد من التاريخ.
 
تعلم أحداثه.. ولا تطبق تجاربه.. لذا يستمر التاريخ في إعادة أحداثه.. لا التاريخ يمل الإعادة.. ولا الإنسان يتمثل التجربة. قالوا الكراسي لا تدوم... ومثبتة تاريخياً من أيام كسرى وقيصر.. وحتى ستالين وجورباتشوف.. ومازال عناق الكراسي حمى مزمنة لا تزول.. تعلمنا أحداث التاريخ عبر حياة الأمم الغابرة ومن تجاربها.. بأن الفورة تهفت. ورخاء العيش قد يمور تحته زالزال... ومازال الإنسان يثير الفورات ويركب قمة النوافير وينام على غلالة تحجب البركان.. فجأة عندما تجف النوافير يقع على قمة رأسه.. وفجاة عندما يغلي البركان ينصهر جلده... وانظر.. وبتجربة تاريخية مثالية.. وكأنها تجربة معملية قصيرة تبدأ بوضوح. وتنتهي بنتائج أعظم وضوحا.. انظر إلى ما يجري في روسيا. عندما تقوضت الامبراطورية السوفيتية وهوت التجربة الشيوعية انفتحت روسيا على عالم رأسمالي لم تعهده.. ولهث الناس وراء حلم الاستهلاك والتكالب على الثراء بكل الطرق.. بل بأقصرها.. بالفساد وتجارة الظلام.. والذي حدث أن حكمت مجموعة البلوتوقراطية حكومة الأثرياء، دهاليز السياسة وصنع السياسيين.. هؤلاء يعرفون بالأوليغارك سلسلة غير منظمة من أثرياء القرص والانتهاز.. أعظم ثرواتهم جاءت من شراء أصول الحكومة بأثمان بخسة لا تتوافر لغيرهم ويستولون على عقارات حكومية واسعة مقابل قروض قصيرة الأجل للحكومة.. ونشأت في روسيا التائهة طبقة متخمة تجول بعرباتها الفارهة شوارع موسكو الجائعة.. وتنعم بعيش الأباطرة.. وتنقلب الدنيا.. جفت النوافير.. ومساج البركان.. لقد ضاع الروبل الروسي.. وفقدت الحكومة المقدرة على سداد سندات الخزينة التي وضع البلوثوقراطيون أموالهم فيها. وراحوا يتفرعون بجنون المفزوعين لتكفلهم الحكومة.. ولا نية.. ولا مقدرة.. سيذوق هؤلاء جوعاً أفجع.. وفقراً أمر.
 
إن لم نتعلم من التاريخ.. فلنتعلم من الحاضر!